اللحظة المهمة بالنسبة لأوباما لم تكن في الأسبوع الماضي عندما أرغم شركة "بريتيش بيتروليوم" المعروفة اختصاراً بـ"بي. بي" على تخصيص عشرين مليار دولار للتعويض عن الخسائر الناجمة عن التسرب النفطي في خليج المكسيك، بل كانت عندما ندد النائب "جو بارتون"، عضو مجلس النواب عن ولاية تكساس الغنية بالنفط، بالصفقة التي توصل إليها أوباما مع الشركة باعتبارها "ابتزازاً" على طريقة شيكاغو، فلأسابيع بدا أوباما عاجزاً عن مواجهة كارثة التسرب واقتصر تدخله على إبلاغ الرأي العام بالأمور التي لا يستطيع فعلها مثل قوله "إنني لا أستطيع الغوص هناك وإغلاق الحفرة"، ولكن الأميركيين لم يكونوا ينتظرون أن يوقف الرئيس التسرب بنفسه، أو حتى إبداء التعاطي الوجداني عند الحديث عن الموضوع، بل كانوا يتطلعون إلى الاستخدام الفعال لسلطة الحكومة الفيدرالية وصلاحياتها. وهذا ما قام به أوباما أخيراً في الأسبوع الماضي بتوظيفه للصلاحيات المخولة له، فقد استدعى كبار مديري الشركة إلى البيت الأبيض وأخبرهم بأنه يحتاج مساعدتهم ودفعهم إلى الإعلان عن التعويض عما تسببت فيه الشركة. ولكن أوباما لم يرفع صوته كما لم يضرب على الطاولة بقبضته عندما كان يتحدث إلى مسؤولي "بي. بي" لأنه لم يكن محتاجاً إلى ذلك، حيث اصطف إلى جانب أوباما في الطاولة التي جلس عليها جميع الأطراف كل من وزير الداخلية، "كين سلازار" الذي يرجع إليه تحديد ما إذا كانت الشركة ستنقب عن النفط في المياه الأميركية أم أنها ستكون المرة الأخيرة التي تقوم فيها بذلك، وإلى جانبه المدعي العام "إيريك هولدر"، الذي سيقرر ما إذا كان سيتابع الشركة قضائيّاً بتوجيه تهم إليها. وفي كل ذلك يبدو أن أوباما تبنى أخيراً حكمة "آل كابوني"، أحد أهم رجال العصابات في شيكاغو، عندما قال: "إنك تتحرك أفضل بكلمة طيبة ومسدس بدلاً من مجرد الاكتفاء بالكلمة الطيبة لوحدها". فهل كان الأمر يتعلق فعلا بالابتزاز؟ الحقيقة أنه كان كذلك، على رغم أن الأوساط في واشنطن تفضل استخدام عبارات أكثر تهذيباً. فعندما يكون المستفيدون من هذا "الابتزاز" من دافعي الضرائب والسواحل المحاذية للخليج المتضرر فإن أغلب الأميركيين لا يمانعون في استخدام سياسة ليِّ الذراع، وهو ما لم يفهمه "جو بارتون"، النائب عن ولاية تكساس، فبعدما انتقد ما أسماه بابتزاز الشركة ذهب أبعد من ذلك إلى الاعتذار إلى الشركة عن التعامل القاسي الذي أُخضعت له، إلا أنه لاحقاً وتحت ضغط زملائه "الجمهوريين" الذين هالهم ما سمعوه منه، اضطر للاعتذار عن اعتذاره الأول. والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها الرؤساء إلى نفوذ الحكومة الفيدرالية لإرغام الشركات الخاصة على الامتثال لمطالبهم مثل تسوية الخلافات مع الموظفين المضربين، أو وقف الزيادة في الأسعار، وإن كانت الحكومة لا تنجح دائماً بالضرورة، فقد سبق للرئيس كلينتون أن استدعى مالكي فرق البيسبول واللاعبين إلى البيت الأبيض في عام 1995 في محاولة لإنهاء الإضراب الذي نظمه اللاعبون دون أن يتمكن من تحقيق أية نتيجة. كما أن أوباما نفسه سعى إلى إحراج "وول ستريت" لدفعها إلى تقليص علاوات مديريها خلال السنة الماضية لكنه فشل في بلوغ الهدف. غير أن الأمر يختلف هذه المرة مع شركة "بي. بي" التي تحتاج إلى تراخيص فيدرالية للتنقيب عن النفط، فضلا عن تعاقدها مع الجيش الأميركي لتزويده بما قيمته 2.2 مليار دولار من الوقود، ولذا تدرك الشركة حجم الخسائر التي قد تتكبدها في حال عدم الاستماع إلى إملاءات الإدارة الأميركية. ولا ننسى أن الشركة استفادت أيضاً من الصفقة، لاسيما بعدما صرح أوباما أنه من مصلحة الولايات المتحدة عدم إفلاس الشركة، وهو فعلا ما بدأت تتخوف منه الأسواق، فبعد الإعلان عن الصفقة ارتفعت أسهم الشركة من 29 دولارا إلى 32 دولاراً مع إقفال تداولات الأسبوع الماضي، ولكن السؤال السياسي بالنسبة لأوباما هو: هل قام بما يكفي خلال هذه الأزمة؟ هنا لابد من الاعتراف كما فعل مساعدو أوباما أنفسهم بأن الرئيس تأخر في التعامل مع الكارثة ولم ينخرط كليّاً في معالجتها إلا بعد الأسبوع الخامس من بدء الأزمة، حيث أرسل حرس السواحل إلى الخليج المتضرر للمساعدة في تنظيفه، فضلا عن إقالته لمدير وكالة إدارة المناجم لفشله في إدارة الكارثة، وأخيراً ٍوقفه للتنقيب عن النفط في عرض البحر. ولعل من الأمور الإيجابية التي خدمت أوباما انعدام خصم عنيد يستغل الكارثة سياسيّاً، والأمر هنا لا يتعلق فقط بالتصريحات غير الموفقة التي أدلى بها "بارتون" واعتذاره للشركة على رغم كل ما تسبب فيه، بل أيضاً ردة فعل مجمل "الجمهوريين" والرسائل المتناقضة التي أطلقوها، ففيما طالب البعض منهم مثل "بوبي جيندال"، و"سارة بالين" الحكومة الفيدرالية ببذل المزيد من الجهد لاحتواء الأزمة المندلعة في خليج المكسيك، انتقد البعض الآخر الإدارة لتدخلها في عمل الشركة. ويبدو أن الإدارة استدركت هفواتها واسترجعت زمام المبادرة في غياب موقف موحد لـ"الجمهوريين" حول الموضوع، لاسيما بعدما أشارت استطلاعات الرأي إلى أن نسبة شعبية أوباما التي كانت في حدود 46 في المئة لم تتأثر بأزمة التسرب النفطي، وهو ما يمنح الإدارة فرصة أخرى للدفع في اتجاه مشروع قانون الطاقة الذي كان أوباما قد عرضه على الكونجرس، وذلك على رغم صعوبة تمريره في ظل تخوف النواب من الناخبين وليس من الرئيس. دويل ماكمانوس كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»