شادي صلاح الدين (لندن)

يعود سكان إسطنبول، اليوم، إلى مكاتب الاقتراع لانتخاب رئيس بلديتهم، وذلك بعد إلغاء فوز مرشح المعارضة في اقتراع سابق في 31 مارس الماضي. ويرى المراقبون أن هذه الانتخابات مفصلية في تاريخ البلاد، وستحدد إلى حد بعيد مستقبل حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان، وخاصةً مع كشف استطلاعات الرأي بأن زعيم المعارضة، أكرم إمام أوغلو، يتقدم ويوسع من الفارق الذي حصل عليه أمام مرشح الحكومة، يلدريم، في انتخابات مارس الماضي.
وفي هذا الإطار، قالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، في تقرير كتبته «لورا بيتيل»، أن الرئيس التركي بدا قبل أيام من الانتخابات مرتاحاً، لأنه أصر على أن استطلاع الرأي، الذي وضع حزبه متأخراً بفارق ثماني نقاط في الانتخابات «تم التلاعب به وغير دقيق». ولكن في التداولات والمناقشات الخاصة، يعترف مسؤولو الحزب بأن أبحاثهم تظهر أن أكرم إمام أوغلو، مرشح المعارضة، الذي حقق فوزاً بفارق بسيط في انتخابات مارس الماضية، لن ينتصر مرة أخرى فحسب، بل سيزيد من تقدمه.
وأوضحت الكاتبة أن من شأن الهزيمة الثانية أن تثير تساؤلات ضخمة لأردوغان، الذي يهتم بشدة بالمدينة التي بدأ حياته السياسية فيها منذ 25 عاماً، مشيرةً إلى أن ذلك قد يعود إلى كيفية استجابته للتداعيات الواسعة، ليس فقط بالنسبة لاقتصاد تركيا وعلاقاتها الدبلوماسية، ولكن أيضاً بالنسبة لمستقبل حزبه، في وقت يواجه فيه استياء شديداً محلياً وإقليمياً ودولياً.
وقال علي كارك أوغلو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كوتش في إسطنبول، «إذا خسروا في إسطنبول مرتين، فهذا يعني أن هناك بداية جديدة. عليهم أن يبدؤوا في التفكير فيما يجب عليهم فعله بعد ذلك».
وأشارت إلى أنه، خلال معظم السنوات الـ17 الماضية، كان أردوغان وحزبه العدالة والتنمية قوة انتخابية لا يمكن وقفها. لكن النصر المفاجئ لإمام أوغلو في أكبر مدن تركيا وأكثرها ثراءً أكد على تآكل الثقة به وفي حزبه، لا سيما في المراكز الحضرية. حيث صرخ النقاد من أجل أن يترك لهجته القومية القاسية، ويحسن علاقته مع الغرب، وينقذ الاقتصاد المحاصر.
وقال مسؤول تنفيذي، في شركة لها صلات وثيقة بالحزب الحاكم، «بصراحة في هذه المرحلة، لا يهمني حتى من يفوز. أريد فقط أن تتوصل الحكومة إلى استراتيجية جادة للتعامل مع المشكلات التي نواجهها». وواجه أردوغان التذمر لبعض الوقت بين الأعضاء الحاليين والسابقين في حزبه. لكن الغضب الصاخب زاد بعد قرار المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا - تحت ضغط شديد من الحزب الحاكم – بإعادة التصويت في المدينة، رغم إعلان فوز إمام أوغلو بفارق ضيق.
وأكدت الصحيفة البريطانية أن قرار إعادة التصويت لم يثر غضب المعارضة فحسب، بل تسبب أيضاً في انشقاق العديد من السياسيين القدامى في حزب العدالة والتنمية، مشيرةً إلى أن عبد الله جول، الرئيس السابق الذي شارك في تأسيس حزب العدالة والتنمية، وصف هذه الخطوة بأنها «عار»، كما قال أحمد داود أوغلو، وهو رئيس وزراء سابق تم طرده من الحكومة في عام 2016، إن القرار «يضر» بالديمقراطية التركية.
ويعتبر داود أوغلو، الذي أصدر أيضاً بياناً من 15 صفحة، وانتقد بشدة الحزب الحاكم، أحد فصيلين من كبار الشخصيات السابقة في حزب العدالة والتنمية، الذين يفكرون الآن في فكرة تشكيل أحزاب جديدة. وقال شخص مقرب من رئيس الوزراء السابق: إنه شعر «بالمسؤولية» للمساعدة في إخراج تركيا من مأزقها الحالي.
الشخص الآخر الذي يترقب الموقف هو علي باباجان، وزير المالية السابق، الذي كان يحظى باحترام كبير من قبل المستثمرين الأجانب، خلال فترة وجوده في منصبه. ولم يتقدم بعد، لكنه يعمل مع مجموعة من الخبراء لوضع مقترحات سياسية، وفقاً لعدد من الأشخاص المطلعين على العمل.
وأوضحت أنه في الإطار نفسه قال عثمان كان، وهو عضو سابق في المجلس التنفيذي لحزب العدالة والتنمية، «هناك الكثير من التعاسة بسبب أردوغان، في رأيي، إذا خرج حزب جديد بنظرة اقتصادية ليبرالية.. كان ذلك أكثر مركزية، ويمكنه بسهولة الحصول على دعم من أنصار حزب العدالة والتنمية والطبقة الوسطى».
وقالت: إنه حتى بين أولئك الذين لن ينشقوا أبدا عن الحزب، هناك إحباط واسع النطاق، يعود في أغلبه إلى صهر أردوغان القوي، بيرات البيرق، الذي يشغل رسمياً منصب وزير المالية في البلاد، ولكنه أيضاً أحد أقرب المقربين للرئيس. وقال أحد كبار الشخصيات في الحزب «عندما يكون أردوغان عالقاً في شيء يتصل بي. لكنه لا يستمع. إنه يستمع فقط إلى مجموعة صغيرة ممن حوله، وخاصةً صهره».
ويشكو آخرون من أن نموذج الحوكمة الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ العام الماضي، والذي وضع سلطات غير مسبوقة في يد الرئيس، قطع قنوات الاتصال السابقة، التي كانت بمثابة حلقة وصل بين المستويات العليا والرتب الأدنى.
وأكدت أنه في ظل الخلاف الذي يلوح في الأفق مع الولايات المتحدة، بشأن خطط تركيا لشراء نظام دفاع جوي روسي - والتهديد بفرض عقوبات يمكن أن تشل الاقتصاد المتعثر - فإن التحديات المقبلة يمكن أن تمتد إلى التحدث عن المستقبل السياسي للرئيس التركي وحزبه الحاكم.