حسونة الطيب (أبوظبي)

تقف في طريقه العديد من المطبات، من حرب تجارية بين أميركا والصين ومخاوف تلوث المناخ وظاهرة تكدس السيارات في الكثير من المدن المكتظة، ليقع قطاع السيارات العالمي تحت حصار قوي، ما أدى لتراجع المبيعات للمرة الأولى منذ 10 سنوات ونفور الاستثمارات.
كما تواجه المركبات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، تحديات قوية من قبل السيارات الكهربائية، بحسب ذا نيويورك تايمز.
وفي حقبة أوبر، أصبح امتلاك السيارة أمراً اختيارياً.
وما يزيد الأمور سوءاً، لجوء المنظمين لفرض غرامات على الشركات التي لا تبذل الجهود المطلوبة في سبيل الحد من الانبعاثات الكربونية، بصرف النظر عن الطلب المتزايد على السيارات ذات الاستهلاك العالي للوقود.
ولا مناص من أن تلجأ كل من فولكس فاجن وفيات كرايزلر، لخيار الاندماج من أجل البقاء في القطاع، في ظل الأعباء الضخمة التي تقع على عاتقهما.
ويعد قرار فيات كرايزلر الأخير، بالانسحاب من الاتفاقية والاندماج مع رينو، لوضعها في الاعتبار الطلب الحكومي في فرنسا، من العوامل التي تؤكد التعقيدات التي تصاحب التغيير، بالنسبة للشركات التقليدية لصناعة السيارات.
وكان المقترح الملغي لإنشاء ثالث أكبر شركة صناعة سيارات في العالم، بمثابة الاستجابة للاضطراب الذي يعاني منه قطاع يستوعب عدداً ضخماً من وظائف الصناعة في العالم وضروري في جني الثروات الاقتصادية لأميركا واليابان والدول الأوروبية.
وبعد تغلغل التقنية الجديدة، في العديد من القطاعات مثل، الترفيه والإعلام والاتصالات وتجارة التجزئة، ما ساعد على إضعاف الأمن الوظيفي لملايين العاملين، هناك ما يؤكد أن الدور على قطاع السيارات.
ويعمل نحو 8 ملايين بصورة مباشرة في شركات صناعة السيارات حول العالم، بجانب عدد كبير آخر في الشركات التي تقوم بصناعة القطع مثل، المكابح والإطارات والحساسات والمكونات الأخرى.
لكن يبدو الآن أن هذه الوظائف مهددة، حيث تراجعت مبيعات السيارات في السنة الماضية للمرة الأولى منذ العام 2009.
ورغم صغر حجم التراجع، إلا أنه يشير لاندلاع موجة من الركود العالمي، نظراً للدور الذي يلعبه قطاع السيارات كأحد الركائز الهامة في الاقتصاد العالمي.
والسبب المباشر لتراجع المبيعات، الرسوم التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على السلع الصينية في السنة الماضية، ما أثر على الاقتصاد الصيني وأدى لوقف نمو المبيعات في أكبر سوق للسيارات في العالم.
وتأثرت أيضاً، شركات صناعة السيارات الأميركية، حيث انخفضت مبيعات فورد في الصين، بنسبة قدرها 36% في الربع الأول من العام الجاري إلى 136 ألفا.
وتهيمن الصين وبشكل متصاعد، على سوق السيارات العالمي وتحدد مساره، حيث شكلت الصين خلال السنوات القليلة الماضية، مجمل نمو المبيعات العالمية تقريباً.
وبلغ عدد السيارات التي قام بشرائها الصينيون في العام الماضي، نحو 24 مليون سيارة، بفارق كبير عن أي دولة أخرى في العالم.
وحلت أميركا في المرتبة الثانية بمبيعات قدرها 17 ألفا فقط.
وتتجاوز مبيعات جنرال موتورز المقدرة بنحو 947 ألفا في آسيا، مبيعاتها في وطنها الأم الولايات المتحدة الأميركية.
وتتسم مبيعات السيارات في كل من أميركا وأوروبا، بالفتور، حيث بات حصول صغار السائقين الأميركيين على رخص القيادة، في تراجع منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ومن المرجح، إنفاق شركات السيارات الكبيرة في غضون الخمس سنوات المقبلة، ما يزيد على 400 مليار دولار على السيارات الكهربائية المزودة بتقنيات تعمل على التشغيل الآلي «الأتمتة» لجزء كبير من عملية القيادة.
ويتعين على هذه الشركات، تزويد مصانعها بآليات جديدة وإعادة تدريب العاملين لديها وإعادة تنظيم شبكات التوريد، مع إعادة النظر في فكرة ملكية السيارة عموماً.
ويشكل هذا الاستثمار المسبق، ركيزة لاستمرارية شركات التصنيع، مع ضرورة تكيفها على الوضع.
لكن ومع كل ذلك، ليس هناك من يضمن دفع المستهلكين المال المطلوب لتغطية هذه التكاليف، وما إذا كانت الشركات ستحقق أرباحاً من وراء هذه التقنية أم لا.
وما زالت شركة تيسلا، رغم ما تواجهه من مشاكل، أكثر قيمة من فيات كرايزلر أو رينو، حيث تتجاوز قيمتها الاثنتين معاً، حتى بعد الإعلان عن خسارة فصلية بنحو مليار دولار.
وأصبح امتلاك السيارة، رفاهية أكثر من كونها ضرورة، خاصة في المدن، حيث يميل الناس لتفادي التكاليف المنبثقة عن رسوم المواقف والتأمين وغيرها، والتعويض عن ذلك بالاعتماد على خدمات التوصيل مثل، أوبر وليفت أو الايجار بالساعة مثل زبكار.
وتفاقم تدهور العلاقة بين المستهلك والسيارة، بسبب بروز التغير المناخي كقضية سياسية ملحة، بالإضافة لمساهمة المركبات في تلويث الهواء في المدن الكبيرة وفي انبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 20% في العالم، بحسب البنك الدولي.

استهلاك الوقود
وفي دول الاتحاد الأوروبي، يتعين على شركات صناعة السيارات، تحقيق متوسط كفاءة استهلاك الوقود، بما يعادل 57 ميلاً للجالون الواحد بحلول 2021 أو دفع غرامة ربما تكون باهظة.
لكن يبدو أن شركات صناعة السيارات الأوروبية متخلفة في ذلك، نظراً لشغف المستهلك الأوروبي مثل نظرائه في آسيا وأميركا، بامتلاك السيارات العائلية ذات الدفع الرباعي.
لكن ونتيجة لذلك، ربما تواجه هذه الشركات غرامات تصل إلى 34 مليار يورو (37 مليار دولار). وبفضل ضغوطات المنظمين ووعي المستهلك، توشك محركات الاحتراق الداخلي، على الانقراض.
وتتقدم كل من الصين وفرنسا وبريطانيا، قائمة الدول التي قررت وقف السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي عن العمل بحلول 2040، في حين تسعى النرويج للتحول كلياً للسيارات الكهربائية بحلول 2025.
وتقوم بي أم دبليو، ببيع سيارة كهربائية آي 3، منذ العام 2013، بينما قدمت نيسان موديل ليف الذي يعمل بالبطارية، في 2010.
وفي غضون ذلك، تمثلت ردة فعل شركات مثل، ديملر وبي أم دبليو جنرال موتورز وفولكس فاجن، لتراجع المبيعات، في خدمات مشاركة السيارات، رغم التفاوت في نسبة النجاح.
وما زالت الشركات التقليدية لصناعة السيارات، تجني معظم عائداتها من السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، ما يحتم عليها الاحتفاظ بالمصانع التي تنتجها، ما يشكل عليها أعباء مالية خاصة عندما لا تعمل بطاقتها القصوى.
وبرزت الصين، كمنافس جديد في سوق السيارات العالمية، حيث تعاني من تشبع سوقها المحلية وهي تستهلك نصف ما تنتجه فقط.
وبينما تستعد شركاتها لدخول السوق الأميركية، فرض الرئيس الأميركي ترامب، ضريبة قدرها 25% على السيارات الصينية.
ونجحت حتى الآن، بعض الشركات الصينية في ولوج السوق الأوروبية، حيث قامت جيلي بشراء فولفو من فورد في 2010، كما تمتلك لوتوس البريطانية لصناعة السيارات الرياضية وأيضاً الشركة التي تصنع سيارات أجرة لندن.
ويملك مدير جيلي لي شوفو، 10% من ديملر.

ميزان القوى
وأدى تحول ميزان القوى في قطاع السيارات العالمي، لتسريح آلاف العاملين، حيث استغنت جنرال موتورز بعد إغلاق أحد مصانعها في أوهايو، عن 10 آلاف من عمال المصانع، في الوقت الذي أعلنت فيه فولكس فاجن، عن توفير 2 ألف وظيفة جديدة والاستغناء تدريجياً عن 4 آلاف، لم يعد وجودهم ضروريا في وجه مد التشغيل الآلي.
وتشير بعض التقديرات، إلى أن نصف العاملين في قطاع السيارات في ألمانيا، معرضين لفقدان وظائفهم.
تحتوي السيارات التي تعمل بالبطاريات، على أجزاء أقل من نظيراتها التي تعتمد على البنزين والديزل، ما يعرض موردو قطع مثل، الصمامات والمكابس وقطع أخرى للسيارات التقليدية، للمخاطر.
وللتصدي لهذه الظروف القاسية التي يمر بها قطاع السيارات العالمي، اتفقت فورد وفولكس فاجن، على تطوير موديلات تجارية جديدة من سيارات نصف نقل وحافلات صغيرة لطرحها في الأسواق بحلول 2022، بجانب تعاونهما في مجال تقنيات مثل السيارات الكهربائية والقيادة الذاتية.
ويقول جيم بريس النائب السابق للمدير التنفيذي لشركة كرايزلر: «من الضروري إنشاء عمليات دمج كبيرة، من أجل الوصول لطريق النجاح في هذه الفترة من التحول، حيث يصعب على الشركات القيام بذلك بمفردها».