الدول الصناعية تستخدم احتياطياتها للحد من ارتفاع أسعار النفط
تتحول المحادثات بين بعض أكثر دول العالم استهلاكاً للنفط عما إن كان يتعين إطلاق ملايين البراميل من احتياطيات النفط الطارئة، إلى السؤال عن متى ينبغي تنفيذ ذلك؟، وليس ما إن كان ينبغي فعل ذلك.
ويذهب رأي أسواق النفط إلى أنه من المرجح أن تتفق قريباً كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا واليابان على إطلاق مخزوناتها البترولية الاستراتيجية منعاً لمزيد من ارتفاع أسعار الخام حين يبدأ تنفيذ عقوبات الاتحادات الأوروبي على إيران في شهر يوليو المقبل.
وتداول خام برنت القياسي عند نحو 125 دولاراً للبرميل مؤخراً يعني أقل ببضعة دولارات من مستوياته المرتفعة عقب الأزمة المالية العالمية.
وقال روبرت ماكنالي رئيس القسم الاستشاري في مجموعة رابيدان جروب وأحد كبار موظفي البيت الأبيض سابقاً والمتخصص في الشؤون النفطية: “تتزايد ضغوط استخدام الاحتياطي البترولي الاستراتيجي وأعتقد أن ذلك سيجرى خلال هذا الربيع أو الصيف”.
يتفق مع ماكنالي خبير النفط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والمسؤول السابق في وزارة الطاقة الأميركية جي كاروسو الذي قال: “إنهم يدرسون خيار إطلاق الاحتياطيات في الأجل القريب نسبياً”.
غير أن المحادثات واجهت عقبة قد تؤخر، أو حتى تمنع استخدام الاحتياطيات الاستراتيجية. تتمحور تلك العقبة حول سؤال قانوني عما إن كان اضطراب الإمدادات الراهنة بالخطورة الكافية التي تقتضي إطلاق الاحتياطيات.
وفقاً للقانون الأميركي ومعاهدات وكالة الطاقة الدولية التي تعد مرصد مراقبة النفط للدول الغربية، لا يجوز استخدام مخزونات الدول المستهلكة إلا في حالات انقطاع إمدادات الطاقة الخطير والاضطرابات الحادة التي تهدد المعروض من النفط.
غير أن تعريف ما هو خطير وما هو حاد أمر مفتوح للتفسير. وفي ظل فهم أضيق للقانون يفسر برنامج الطاقة الدولي التابع لوكالة الطاقة الدولية أن الانقطاع الخطير لا يحدث إلا إذا تجاور 7% من إمدادات وكالة الطاقة الدولية أو أكثر من 3 ملايين برميل يومياً.
غير أن لوكالة الطاقة الدولية حداً أدنى من ذلك وفقاً لما تتبعه من إجراءات مواجهة الطوارئ المنسقة، التي تكفل “نظاماً سريعاً ومرناً لمواجهة انقطاعات إمدادات النفط الفعلية أو الوشيكة أياً كان حجمها”.
فضلاً عن أن القانون الأميركي ينص عموماً على أنه في مقدور واشنطن استخدام احتياطياتها البترولية حين يكون هناك خفض كبير للمعروض يترتب عليه زيادة حادة في سعر النفط ما يحتمل معه أن يتسبب في تأثير سلبي كبير على الاقتصاد.
في الوقت الراهن لا تشمل حالات اضطراب الإمدادات النفطية سوى دول تعد على أصابع اليد الواحدة من كولومبيا إلى السودان الجنوبي وتشكل نحو 750 ألف برميل يومياً. وهذا في حد ذاته لا يرجح أن يفي بالتفسيرات الحرفية. وترى ماريا فان ديرهوفن المديرة التنفيذية لوكالة الطاقة الدولية أنه لا يوجد حالياً انقطاع خطير للإمدادات.
ومع ذلك ترى بعض الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية منها الولايات المتحدة أن هذه الانقطاعات تقترب من المستوى الذي يقتضي من الدول المستهلكة أن تتخذ إجراءات.
أرسلت الوكالة ذاتها إشارات متفاوتة، حيث بدا بعض مسؤوليها أكثر قلقاً من آخرين فيما يخص ما يواجه أسواق النفط من ضغوط وانقطاع إمدادات وارتفاع أسعار النفط. طالما احتجت وكالة الطاقة الدولية بأن لديها مهمة محددة: هي تعويض الانقطاع الخطير الناجم مثلاً عن حرب في الشرق الأوسط. ويرى آخرون أنها أشبه ما يكون ببنك نفطي يستخدم على نحو مرن لتعويض تأثير أسعار النفط المرتفعة.
تعتبر الاحتياطيات الاستراتيجية سلاحاً قوياً، وانخفضت أسعار النفط انخفاضاً حاداً بعد المرات الثلاث التي لجأت فيها دول وكالة الطاقة الدولية إلى استخدامها. وحدث التأثير الأكثر خطورة في عام 1991 أثناء حرب الخليج، حين تدهور سعر برميل برنت من أكثر من 30 دولاراً للبرميل إلى 19,70 دولار في أقل من 24 ساعة.
ويعتبر هبوط السعر الذي قارب 40% في 17 يناير من هذا العام الهبوط القياسي الأكبر من حيث النسبة المئوية.
أما تأثير الحالتين الأخريين اللتين أطلقت فيهما احتياطيات نفط كانتا أقل ضجيجاً. حيث انخفض الخام 2,5% عقب إطلاق احتياطيات في عام 2005 حين أغلق إعصار كاترينا الانتاج في خليج المكسيك.
كما انخفضت أسعار النفط نحو 6% في عام 2011 حين باعت الولايات المتحدة 30 مليون برميل لتعويض نقص الإمدادات الليبي.
ومع ذلك سرعان ما تعافى سعر الخام. غير أن جميع حالات إطلاق الاحتياطيات نجحت في كبح ارتفاع أسعار النفط. ولولاها لواجهت السوق نقصاً خطيراً للمخزونات التجارية التي كانت المصافي تحتفظ بها، وهو ما كان من شأنه إحداث تضخم أسعار النفط.
يعتقد كثير من المحللين أنه لولا إطلاق الاحتياطي العام الماضي لكانت أسعار خام برنت قد بلغت 150 دولاراً للبرميل.
وقد يكون ذلك هو السيناريو المحتمل حدوثه في الأول من يوليو حين يبدأ فرض الاتحاد الأوروبي الحظر على النفط الإيراني رسمياً. ويعتقد مسؤولون بصناعة النفط أن إيران تخسر ما بين نصف مليون برميل يومياً ومليون برميل يومياً من صادرات النفط، ما يعني أنه من المرجح أن يوصف الانقطاع بالخطير. وقال أحد المسؤولين بالخليج: “نعتقد أن سوق النفط قد يخسر في المتوسط نحو 700 ألف برميل يومياً من النفط الإيراني.
ويرى جون شاجيز الذي كان مشرفاً على احتياطيات نفط الولايات المتحدة إبان إدارتي بوش وكلينتون، أنه من المرجح أن يستخدم الاحتياطي ويقول: “ما كنت أطلقه الآن تحديداً، ولكن بالتأكيد كنت سأتأهب لذلك نظراً لأن الحاجة إليه وشيكة”.
لو زادت الأسعار فمن غير المرجح أن تمنع النواحي الفنية القانونية الحكومات من اتخاذ اللازم. ومع ذلك يرى البعض أنه بحلول منتصف يونيو قد تكون الحاجة إلى إطلاق احتياطيات قد انحسرت.
يذكر أن المملكة العربية السعودية تزيد إنتاجها وبجانب إمدادات إضافية من العراق وليبيا ربما يساعد ذلك على تعويض النقص من إيران. وقال أحد مسؤولي النفط المعارض لاستخدام الاحتياطيات: “هناك مؤشرات إلى أن انحسار الإمدادات يتراجع”. وأضاف: “حين أطلقت وكالة الطاقة الدولية مخزوناتها الاحتياطية العام الماضي، فإنها لم تفعل ذلك إلا بعد أن قامت دول أوبك بزيادة الإنتاج.
نقلاً عن: فاينانشيال تايمز
ترجمة: عماد الدين زكي