باريس (وام)

شهد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، مراسم الافتتاح الرسمي لمسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «مسرح قصر فونتينبلو الإمبراطوري» في العاصمة الفرنسية باريس.
حضر الافتتاح الشيخ زايد بن سلطان بن خليفة آل نهيان رئيس مجلس إدارة مؤسسة الشيخ سلطان بن خليفة آل نهيان الإنسانية والعلمية، ومعالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، ومعالي زكي أنور نسيبة وزير دولة، ومعالي سارة عوض عيسى مسلم رئيس دائرة التعليم والمعرفة - أبوظبي، ومعالي محمد خليفة المبارك رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، وسيف سعيد غباش وكيل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، ومحمد خليفة النعيمي مدير إدارة شؤون التعليم في ديوان ولي عهد أبوظبي، ومانويل راباتيه مدير متحف اللوفر أبوظبي، ومحمد إسماعيل السهلاوي نائب رئيس البعثة في سفارة الدولة في فرنسا.
كما حضر الافتتاح من الجانب الفرنسي معالي فرانك ريستير وزير الثقافة الفرنسي، إلى جانب عدد من كبار الشخصيات والمسؤولين من كلا البلدين.
وفتح المسرح أبوابه للجمهور مجدداً، بعد انتهاء أعمال الترميم والتجديد الشاملة التي استمرت لسنوات، بتمويل من دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، فيما أطلقت الحكومة الفرنسية اسم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» على المسرح، تقديراً وعرفاناً بمساهمة دولة الإمارات في إحياء هذا الصرح التاريخي العريق.
وتأتي أعمال ترميم المسرح وإعادة الحياة لهذا الجزء المهم من تاريخ فرنسا، في إطار اتفاقية تعاون ثقافي بين إمارة أبوظبي والحكومة الفرنسية تم توقيعها عام 2007 وتضمنت إنشاء اللوفر أبوظبي ومبادرات دولية، منها انعقاد المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر عام 2016 في أبوظبي، وتأسيس التحالف الدولي لحماية التراث الثقافي في مناطق النزاع «ألف».
واكتملت المرحلة الأولى من أعمال الترميم في شهر أبريل 2014، وشهدت تجديد قاعة المسرح الرئيسية بمشاركة 25 خبيراً و135 حرفياً عملوا على استعادة تصميماته الداخلية وديكوراته الأصلية، وبدأت المرحلة الثانية خلال شهر يونيو 2017، وشملت تركيب وتثبيت الآلات والأنظمة التشغيلية وصيانة الأرضيات، وتجديد زخارف المقصورات العلوية وخشبة المسرح التي أقيم فوقها أهم الأعمال المسرحية وعروض الأداء الفرنسية.

تعاون بين المؤسسات الثقافية
وأكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أن افتتاح هذا المسرح التاريخي في قصر «فونتينبلو» الذي يحمل اسم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، يعد تجسيداً حقيقياً للتعاون الوطيد بين المؤسسات الثقافية من أجل الحفاظ على التراث، وهي ركيزة علمنا إياها مؤسس دولة الإمارات المغفور له الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، ويترجم أيضاً عمق العلاقات الدبلوماسية التي تربطنا بأكثر من 187 دولة حول العالم نجحت خلالها الإمارات في بناء منظومة متكاملة لمستقبل واعد، كما يعكس حرص دولة الإمارات على صون المواقع التراثية والثقافية حول العالم.
وقال سموه - في كلمته خلال حفل الافتتاح: «يعد هذا الصرح العريق الذي يعود اليوم للعالم بكامل ألقه وفنه بعد فترة إغلاق تجاوزت الـ 100 عام من مكونات التاريخ الفرنسي الذي يمثل جزءاً جميلاً وعريقاً من التاريخ الإنساني، حيث طالما عملت دولتنا على تقديره من خلال مشاريع إماراتية فرنسية مشتركة، انطلاقاً من إيماننا العميق بدور الفنون في بناء الحضارات».
وأضاف: «يأتي هذا الحدث تعبيراً عن التعاون الثقافي بين دولة الإمارات والجمهورية الفرنسية في مجال حفظ التراث الثقافي، في إطار الاتفاقية الحكومية بين إمارة أبوظبي والجمهورية الفرنسية المستمرة منذ عام 2007 التي كان افتتاح متحف اللوفر أبوظبي عام 2017 في المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات أحد ثمارها». وقال سموه: «يعتبر هذا المسرح التاريخي في «قصر فونتينبلو» المدرج على لائحة مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو، أحد أهم القصور الملكية والذي تعاقب على سكنه 34 ملكاً وإمبراطوراً فرنسياً، من بينهم نابليون الثالث إمبراطور الإمبراطورية الفرنسية الثانية في القرن التاسع عشر، لكن العبرة ليست في المكان، بل بما يمثله من قيم إنسانية نحتاج لاستذكارها اليوم، حتى لا نكرر أخطاء الماضي، فالثقافة بمنتجاتها المختلفة، كالرواية والشعر والمسرح والموسيقى والسينما والفلسفة والتراث وغيرها، هي الرابط الإنساني الأقدر على البقاء والاستمرار عبر التاريخ، وهي القماشة التي ترقع ثوب الإنسانية كلما مزقته الحروب والتطرف والإرهاب».

صيانة التراث
وتابع سموه: «بالنسبة لنا في دولة الإمارات، فإن صيانة التراث والحفاظ عليه وإعادة تقديمه للأجيال الجديدة بشكل لا يمس بأصالته، تعد قيمة عليا تنتهجها القيادة الحكيمة في مختلف المجالات، فلا يمكننا أن نحدث الناس عن التسامح دون أن نبين لهم أهمية احترام الاختلاف والاحتفاء بالتنوع، فالزائر إلى متحف ما لا يملك إلا أن يدرك أن البشرية لم تتطور وتتقدم إلا بسبب تنوع إنتاجاتها المعرفية وتركيباتها الاجتماعية.. وهنا أتذكر الفيلسوف الفرنسي «ميشيل دي مونتين» الذي يتزين أحد جدران اللوفر أبوظبي بنصوصه التي تحضنا على التسامح، ما ميز هذا الرجل الذي عاش في القرن السادس عشر أنه اكتشف أن الإنسان لكي يتجاوز تطرفه وأحقاده تجاه الآخرين عليه أن يغوص في أعماق نفسه أولاً ليكتشفها وينشغل بها.. حينها فقط يتمكن أحدنا من كتابة قصيدة أو رسم لوحة أو تلحين معزوفة جميلة ترتقي بالنفس البشرية في مراتب المحبة والتآخي، وحينها فقط يصبح الإنسان فرداً فاعلاً في مجتمعه منيرًا في الحياة وتكتمل إنسانيته».
وأضاف: يقول مونتين: «لا توجد في الدنيا بذرتان متماثلتان وفي الحقيقة فإن التنوع ميزة مطلقة»، ولهذا نحن هنا اليوم لنقول للعالم إن قبولنا بالتنوع ليس كرماً منا، بل هو حاجة ملحة للمجتمعات البشرية التي تعاني اليوم من الصراعات والكراهية، تماماً مثلما عانت أيام مونتين من حروب طائفية أدت إلى مذابح مرعبة.
وأكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، أن دولة الإمارات التي تقف بجانب الشعوب التي تعاني من الكوارث الطبيعية وويلات الحروب بغض النظر عن أعراقها وأديانها، هي ذات الدولة التي تقدر التاريخ والفن والجمال في كل أنحاء العالم، وتسعى بكل إمكانياتها للحفاظ عليه، وقد تجلى هذا من خلال أعمال «المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر» والذي أقيم في أبوظبي عام 2016 بجهود إماراتية فرنسية، حيث أعلن خلاله عن مبادرة إنشاء صندوق دولي لحماية التراث الثقافي في مناطق الصراع، بهدف دعم عمليات تمويل التراث الثقافي وترميمه وإنشاء شبكة دولية للملاذات الآمنة لحماية وحفظ الممتلكات الثقافية المهددة بالخطر.
وقال سموه إن المساهمة في رعاية الإرث الإنساني هي واجب حضاري نحتاج أن نذكر أنفسنا والمجتمع الدولي بالالتزام به، فلا توجد حضارة دون فن ولا رفاه دون ثقافة.

الدبلوماسية الثقافية
من جهته قال معالي محمد خليفة المبارك: «يمثل افتتاح مسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في قصر فونتينبلو الإمبراطوري منجزاً حضارياً جديداً يعزز الروابط الثقافية الوثيقة بين فرنسا ودولة الإمارات، ويمنح الدبلوماسية الثقافية السبق في دعم التعاون الدولي لحفظ التراث الثقافي العالمي، ليس في حالة الخطر فقط، بل أيضاً خلال وقت السلم».
وأكد معاليه التزم دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي بحفظ التراث الثقافي المحلي والعالمي والترويج له باعتباره يحمل قيمة حضارية لا تتعلق بالمجتمعات المحلية وحدها، بل يتعدى ذلك إلى المجتمع الإنساني عامة، بما يؤكد الدور المؤثر الذي تلعبه دولة الإمارات في تحفيز العمل المشترك والذي يثمر مبادرات ومشاريع إيجابية تترك بصمة على الواقع اليومي.

روائع العمارة
يعتبر مسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان - «مسرح قصر فونتينبلو الإمبراطوري» في باريس الذي صممه هيكتور ليفيول للعائلة الحاكمة بين عامي 1853 و1856 - إحدى روائع العمارة في عهد الإمبراطورية الفرنسية الثانية، ولم يستخدمه الإمبراطور نابليون الثالث سوى بضع مرات فقط، ثم أغلق أبوابه لما يزيد على قرن من الزمان، وهو ما حافظ على حالته الأصلية ومع افتتاحه للجمهور عقب أعمال الترميم والتجديد، يمثل «مسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان» اليوم متحفاً لفنون الأداء والفنون الزخرفية في عصر الإمبراطورية الفرنسية الثانية.
وسكن قصر فونتينبلو - الذي أدرجته اليونسكو على قائمتها لمواقع التراث العالمي - 34 ملكاً وإمبراطوراً فرنسياً، ويحتضن 1530 قطعة أثرية وفنية وأثاثاً نادراً، وشهد القصر لحظات تاريخية فارقة أبرزها توديع نابليون الأول حرسه وحاشيته قبل ذهابه إلى المنفى عام 1814، وعبر إدخال تعديلات على هيكل القصر، بما في ذلك توسيع المدخل المرصوف بالحصى بحيث يتسع لمرور عربته الإمبراطورية، وساعد نابليون على رسم ملامح صورة القصر الحالية.
وكان قصر فونتينبلو أيضاً مقراً لبلاط ابن أخيه نابليون الثالث في الإمبراطورية الفرنسية الثانية، ويضم حالياً الأكاديمية الفنية الأميركية لتعليم الفنون والهندسة المعمارية والموسيقى.