دينا محمود (لندن)

عادت مسألة استضافة قطر للنسخة المقبلة من بطولة كأس العالم لكرة القدم لتصبح على المحك أكثر من أي وقتٍ مضى، بعد القرارات الدراماتيكية التي اتخذتها السلطات القضائية الفرنسية في إطار تحقيقاتها حول شبهات الفساد المحيطة بهذا الملف، والتي شملت اعتقال أسطورة الكرة ميشال بلاتيني، بجانب صوفي ديو المستشارة السابقة للرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي للشؤون الرياضية، وكذلك الاستماع إلى إفادة كلود غيان الأمين العام لقصر الإليزيه خلال حقبة ساركوزي التي أفادت مصادر أنه نفسه ربما لن يكون بمأمنٍ عن الخضوع للتحقيق بدوره قريباً، في ظل الاتهامات الموجهة إليه، بالاضطلاع بدور رئيس على صعيد تأمين حصول قطر على حق استضافة مونديال 2022 على حساب دولٍ أخرى، كانت أكثر جدارة بهذا الشرف.
وأفردت وسائل الإعلام الغربية مساحاتٍ واسعةً للحديث عن التطورات، التي قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية إنها تُذكي الشكوك مرةً أخرى بشأن ملابسات ما حدث في أروقة اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم في ديسمبر 2010، وأفضى لاختيار دولةٍ لا تاريخَ كروياً لها مثل قطر لتنظيم الحدث الكروي الأبرز على مستوى العالم. وقالت إن التحقيقات الفرنسية مع بلاتيني وديو وغيان، تستهدف التحقق في الأساس مما إذا كان مسؤولون حكوميون فرنسيون، قد تورطوا في حملة شراء الأصوات والذمم التي أطلقها «نظام الحمدين» لضمان استضافة كأس العالم دون وجه حق أم لا. وأشارت إلى أن الشبهات حول دور ساركوزي وبلاتيني في فضيحة إسناد البطولة لقطر، تعززت بعدما أقر رئيس «الفيفا» في ذلك الوقت سيب بلاتر - والذي طالته اتهامات الفساد بدوره - بأن الرئيس الفرنسي الأسبق «لعب دوراً في مساعدة الملف القطري على الفوز» بغالبية أصوات أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي.
أما صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، فقد ركزت على مبلغ المليوني دولار الذي حوّله بلاتر إلى بلاتيني عام 2011، أي بعد شهورٍ من حصول النظام القطري على حق الاستضافة، قائلةً إن الرجلين لم يقدما طيلة الأعوام الماضية، أي تفسيرٍ كافٍ أو مقنعٍ لهذا التحويل، الذي يقول البعض إنه كان جزءاً من رشوةٍ قدمتها الدوحة. وسخرت من زعم بلاتيني أن هذا المبلغ كان نظير خدماتٍ استشاريةٍ قدمها للاتحاد الدولي لكرة القدم بين عامي 1998 و2002، قائلةً إن الرئيس السابق لـ «اليويفا» كان قد أقر سابقاً بأنه نُصِحَ من جانب ساركوزي، بأن يصوّت لصالح قطر. وقالت إن منح المونديال للدوحة مثّل بدايةً لحملةٍ قطريةٍ واسعةٍ لاستغلال الرياضة لتحقيق مآرب سياسيةٍ، شملت إطلاق شبكة «بي إن سبورت» التلفزيونية التابعة لشبكة «الجزيرة» والمملوكة لصندوق الثروة السيادية القطري، وكذلك شراء نادي باريس سان جيرمان «الذي يشكل ساركوزي أحد مشجعيه البارزين». وشدد على أن أجواء الفساد المحيطة بالتصويت المشؤوم لـ «الفيفا» عام 2010، دفع السلطات في دولٍ مثل الولايات المتحدة وفرنسا وسويسرا، لفتح تحقيقاتٍ جنائيةٍ من أجل كشف حقيقة ما حدث، مُشيراً إلى أنه من بين 24 شخصاً حضروا جلسات التصويت هذه «ترك 16 مناصبهم، مُطاردين بالفضائح وتهم الفساد».
من جانبها، رأت صحيفة «الجارديان البريطانية أن قرار اعتقال بلاتيني، الذي اتخذه مكتب مكافحة الفساد التابع للشرطة القضائية الفرنسية، يشكل التحرك العلني الأكثر أهمية على صعيد التحقيقات التي أطلقتها باريس في عام 2016 بشأن الفضيحة القطرية. وأشارت إلى مأدبة الثالث والعشرين من نوفمبر سيئة السمعة، التي يُقال إنها شهدت كذلك حضور رئيس وزراء قطر في ذلك الوقت حمد بن جاسم، مؤكدةً أن بلاتيني سبق أن أقر «بأن ساركوزي الذي كان يسعى لإبرام تعاقداتٍ تجاريةٍ ضخمةٍ مع النظام القطري، أراد منه منح صوته لملف الدوحة، والتأثير على أعضاء اليويفا للقيام بالأمر نفسه». وأبرزت إصرار اللاعب الفرنسي السابق على المراوغة بشأن مسألة تلقيه رِشى من قطر حتى قبل أسبوعين من الآن تقريباً، قائلةً إنه زعم أن قرار التصويت للدوحة كان نابعاً منه ولم يتأثر بأي عوامل خارجيةٍ، رغم اعترافه بأنه كان ينوي في البداية تأييد الملف الأميركي.
وحرصت الصحيفة على الإشارة إلى حقيقة أن لوران نجل بلاتيني انضم في السنوات التالية للتصويت لشركة «بوردا» الرياضية المملوكة للنظام القطري، وهو ما يبدو دليلاً لا يُدحض على صحة الاتهامات الموجهة لوالده. وربطت كذلك بين تصويت بلاتيني لصالح »نظام الحمدين» في ملف المونديال، وقرار شركة»الخطوط الجوية القطرية» المملوكة لهذا النظام بعد ذلك شراء 50 طائرة ركاب فرنسية الصنع. في وقت ركزت صحيفة«الإندبندنت»على العلاقات المثيرة للجدل التي أقامها بلاتيني مع أقطاب»نظام الحمدين»، واعترافه بعقده«اجتماعاً سرياً»مع القطري محمد بن همام، الذي كان وقتذاك عضواً بدوره في تنفيذية«الفيفا»، وذلك قبل أيام قليلة من التصويت لتحديد الدولة المُضيفة للمونديال. وأبرزت ما كشفته وسائل إعلامٍ غربيةٌ مرموقةٌ من أن عدد اللقاءات التي عقدها الاثنان خلال عضويتهما في هذه اللجنة تراوح ما بين»30 إلى 50 مرة».