الشركات اليابانية تبحث عن ملاذات آمنة في الخارج
يبذل الموردون اليابانيون جهداً كبيراً في المحافظة على تسيير نشاطاتهم التجارية وسط النقص الواضح في المكونات الأساسية والإمداد الكهربائي في أعقاب الزلازل التي ضربت اليابان خلال الشهر الماضي.
وتعيد الشركات التي تعتمد على المواد التي تعرضت لأضرار كبيرة، تفكيرها فيما يتعلق باستمرار بقائها في اليابان. وكان التأثير المبدئي لزلزال اليابان واضحاً من أول يوم حيث تناقلت وسائل الإعلام المختلفة صورا لبنايات منهارة ولزوال مدن بأكملها.
ولا يزال التأثير الناتج عن إعاقة العاملين ودمار المصانع والخراب الذي لحق بالبنية التحتية ونقص الإمداد الكهربائي الذي سببته الأزمة النووية، يقف حائلاً دون عودة وتيرة الإنتاج لسابق عهدها. وتحتاج عودة هذه السعة الإنتاجية لمزيد من الوقت والجهد بالرغم من استمرار بعض الآثار، في الوقت الذي تستعد فيه بعض الشركات المتأثرة لتنويع عملياتها خارج الوطن الأم، ومن بينها الشركات اليابانية نفسها.
ويقول هيزو تاكيناكا، وزير الاقتصاد الياباني السابق، “زادت خطورة صورة الزلزال وتسونامي أكثر من المتوقع، وربما يجبر ذلك المزيد من الشركات للهجرة خارج اليابان”. وتشتهر اليابان بطاقة تحملها الفائقة لمثل هذه الكوارث، حيث كان تعافيها من زلزال كوب في 1995 بسرعة لم يتوقعها الكثير من المحللين.
لكن يبدو أن كارثة هذه المرة تفوق سابقاتها بكثير، حيث يقدر بعض الخبراء أن اليابان فقدت نحو 5% من أسهم رأس المال مقارنة بنحو 2% في زلزال كوب. وأن الإشعاعات التي تسربت من مفاعل فوكوشيما غير مسبوقة في تاريخ اليابان، حيث لم تستطع اليابان العودة لطبيعتها كما حدث في السابق. كما زاد ثقل حجم ديونها وشراسة منافسيها من الدول الآسيوية الأخرى، بالإضافة إلى تراجع كثافتها السكانية. وتزيد بعض الظواهر الجديدة الأمور تعقيدا، مثل انقطاع التيار الكهربائي خلال فترتي الذروة في الصيف والشتاء للتبريد والتدفئة.
وحتى الآن قامت “رينيساس إليكترونيكس” واحدة من الشركات العالمية الرائدة في صناعة المعالجات الدقيقة، بتعهيد 8% من سعتها في صناعة الرقاقات الالكترونية. وخططت الشركة لزيادة ذلك إلى 25% قبل اندلاع هذه الأحداث لتذهب معظم هذه النسبة لمسابك خارج اليابان بحلول العام 2013، تلك النسبة التي تفكر الشركة في تجاوزها الآن. وذكرت الشركة أنها تدخل في مفاوضات بشأن المعالجات الدقيقة للسيارات لتتم صناعتها في مصنع بسنغافورة تابع لشركة “جلوبال فاوندريز” الأميركية لصناعة الرقاقات، بدلاً من اليابان. وتتخوف “رينيساس” من فقد حصتها السوقية البالغة 40% مع كبرى شركات السيارات العالمية التي تجوب العالم الآن بحثاً عن مصادر تموين جديدة.
وبطبيعة الحال كانت الشركات القريبة من محيط الزلزال في إقليم توهوكو شمال شرق اليابان، أكثرها عرضة للخطر. ومن بينها، شركة “هوريو سيساكوشو” للصناعات المتنوعة الواقعة في إشينوماكي أكثر المدن المتضررة والتي تملك 30% من حصة السوق في صناعة وحدات النظر التي يتم من خلالها قراءة أقراص بلو راي وبعض اسطوانات الفيديو الرقمية الأخرى. وذكرت الشركة التي تملك اثنين من مصانع المكونات الالكترونية في الصين، أنها لا تخطط في الوقت الحالي لنقل المزيد من إنتاجها للخارج.
كما ذكرت الشركة أنها ليست الوحيدة التي تواجه الضغوطات الحالية وهناك الكثير غيرها من الشركات الصغيرة التي صرحت أنها ربما تفقد جزءاً كبيراً من نشاطها للأبد في حالة تأخيرها عن تسليم الطلبيات في وقتها المحدد. ومن الممكن أن يواجه تحويل الإنتاج بعض الصعوبات خاصة بالنسبة للأشياء المعقدة التي تعتمد على خبرات كبيرة ومعدات مخصصة ومقدرة يصعب حل محلها. لكن ربما تفكر معظم الشركات التي تعرضت لضرر الزلزال في وضع خطط طويلة المدى لتخفيف آثار مثل هذه الأخطار.
وتتحدث الشركات اليابانية الكبيرة عن الالتزام العام وهو العقد الاجتماعي القاضي بأن يتم إنتاج الشركات داخل اليابان، ذلك العقد الذي بدأ في التلاشي حتى قبل وقوع هذه الكارثة. وتعتمد شركة “نيسان” لصناعة السيارات والتي يضم مجلس إدارتها أربعة من الأجانب، على اليابان في 25% من إنتاج السيارات، وأنها بصدد نقل المزيد إلى الخارج. ونقلت الشركة في العام الماضي إنتاج سيارتها من موديل “ميكرا” من مقره في كاناجوا إلى تايلاند ودول أخرى. كما تخطط لتحويل إنتاج موديل “روج” الرياضية من كايوشو الجزيرة الرئيسية في جنوب اليابان، إلى مدينة كانتون بولاية ميسيسيبي الأميركية، وذلك بحلول العام 2013.
وذكرت “نيسان” مؤخراً أنها ستقوم باستيراد محركات “V6” من أحد المصانع في مدينة ديشيرد بولاية تينسي الأميركية لتعويض فاقد الإنتاج في مصنعها الواقع في منطقة إواكي التي ضربها الزلزال، ذلك المصنع الذي أُعيد فتحه ولكن بنصف السعة الإنتاجية فقط.
ويقول يوشيو إيشيزاكا أحد المديرين السابقين في تويوتا والذي يعمل حالياً مستشاراً فيها “اعتقد أن هناك بعض النشاطات التجارية الأخرى التي ينبغي للقطاع الصناعي في اليابان أن يفكر في نقلها إلى الخارج”. وذكر المراقبون أن الشركة ربما تقوم بقفل مصنع أو أكثر من المصانع القديمة العاملة في اليابان.
نقلاً عن “فاينانشيال تايمز”
ترجمة: حسونة الطيب