أبوظبي (الاتحاد)

ضمنَ روائع الأدب الفرنسي الحديث والدّراسات النقدية المرافقة له، التي تصدر عن مشروع «كلمة» للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي، صدرت ترجمة «الشِّعر والمنْظر من الرومنطيقيّة إلى أيّامنا» للشّاعر والناقد الفرنسي ميشيل كولو، ترجمتها عن الفرنسية الباحثة والمترجمة السورية المقيمة في فرنسا ندى عيسى، وراجع الترجمة ونقّحها وقدّم لها الشاعر والأكاديمي العراقي المقيم في باريس كاظم جهاد.
ومن محاسن النقد الجديد، الذي تصاعدت أعماله في فرنسا وانتشر منها إلى باقي أوروبا وعديد البلدان الأخرى، منذ نهايات النصف الأوّل من القرن العشرين، أنّه سلّط الأضواء على مظاهر من الكتابة الشعرية والأدبية بعامّة، ما كانت تحظى من قبلُ إلا بمعالجات جزئيّة. من هذه المظاهر الفضاء الذي ينخرط فيه النصّ، وعلاقة الذات المبدعة بالإطار الأليف، وبالمادّة، وكلا الموضوعين لقيا تحليلات باهرة في مؤلّفات الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار التي كتبها بموازاة أبحاثه العلومية وخص بها الخيال الشعري باعتباره خيالاً ماديّاً وحركيّاً. كما جاءت كتابات الرعيل المُجايل لباشلار أو الذي تلاه، من السويسريّين مارسيل ريمون وجورج بوليه وجان ستاروبنسكي إلى الفرنسيّين جان بيار ريشار ورولان بارت وسواهما، لتضيف إلى معالجة النصوص الأدبية في علاقتها بالعالَم والفضاء والإطار الحيوي تقصيّات نقديّة أخرى كاشفة. وفي امتداد هذا الاهتمام كرّس معاصرنا الشاعر وأستاذ الأدب الفرنسي ميشيل كولو Michel Collot لحضور المَناظر في الأدب جملة دراسات معمّقة مكتوبة بشغف وتبحّر يمثّل الكتاب المترجم هنا إحدى أبرزها. في أبحاثه هذه، عُنيَ بتحليل مختلف صنوف المناظر، طبيعية كانت أو مدموغة بتدخّل البشر، مقفرة أو مأهولة، منتشرة في الريف أو في الصحراء أو في قلب المدينة. في دراسات متبحّرة ومرهفة، تجمع المعرفة الجمالية إلى براعة النّقد، يرينا كيف أصبح المنْظر انطلاقاً من الرومنطيقيّة أحد أبرز موضوعات الأدب والفنّ، وأكثرها إيحاءً.في هذا الكتاب، حتّى يقبض المؤلّف على تحوّلات شعريّة المَناظر في الأدب الفرنسي، وفي الشعر بخاصّة، كان عليه أن يُحِلّ هذا الأدب في سياقه الاجتماعي والثقافي، أي أن يُخضعه إلى قراءة تاريخانيّة وجماليّة في آنٍ معاً. هكذا يرينا تطوّر حساسية المنظر عند بعضِ آباء الأدب الفرنسي الحديث، من شاتوبريان إلى سينانكور فجان جاك روسو، وصولاً إلى هوغو وبودلير ورامبو.