أحمد السعداوي (أبوظبي)

أكدت معالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة أهمية مؤتمر ومعرض أبوظبي الأول للمخطوطات باعتبارهما مرآة تراثية وإنسانية على الماضي المشرق، ومصدر إلهامٍ للباحثينَ والمؤرخينَ والعلماءِ، وما كانَ ذلك ليتحقّقَ لولا الحفاظُ على ثروةِ من المخطوطاتِ التي رسخت مكانة أبوظبي على مستوى العالم.
جاء ذلك خلال انطلاق فعاليات مؤتمر ومعرض أبوظبي الأول للمخطوطات الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة في في منارة السعديات بأبوظبي، أمس تحت عنوان «المخطوطات العربية: واقع وقضايا»،وبمشاركة واسعة من المسؤولين والباحثين والأكاديميينَ والمحققين الفنيين الذين توافدوا من مختلف أرجاء العالم إلى العاصمة.
وقالت معاليها: «ندركُ جميعاً أن المخطوطاتِ العربيةَ تُعتبرُ ذاكرةَ الأُمةِ، وإرثِها المعرفيِّ والثقافيِّ والفكريِّ والحضاريِّ الذي تبلورَ وتراكمَ على مدى الأجيالِ والقرون الماضية، وهي أبرزُ مظهرٍ من مظاهرِ الحضارةِ العربيّةِ الإسلاميةِ العريقةِ، واليوم، نشهد بدء مرحلة جديدة من العمل الدولي المشترك وتضافر الجهود في سبيل تعزيز هذا التوجه».
ويسعى المؤتمر الذي يقام على مدى يومين إلى المساهمة في الجهود المتضافرة لحفظ التراث والحلول المتبعة لتوثيق المخطوطات وتاريخها، وحمايتها من التّلَف، وذلك من خلال ست جلسات تسلّط الضوء على القيمة التاريخية للمخطوطات، ونشرها، إلى جانب عرض مجموعة نادرة من المخطوطات وأدوات الكتابة التقليدية في معرض خاص يستمر إلى 15 فبراير، ويتضمن ورش عمل مجانية موجهة لجميع أفراد العائلة تناقش مواضيع متنوعة عن الكتابة وصناعة الكتب وأنواع فن الخط العربي.
حضر افتتاح المؤتمر والمعرض معالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، ومعالي محمد خليفة المبارك رئيس دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، ومعالي محمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة محمد بن راشد، إلى جانب عدد من المسؤولين والأدباء والمهتمين بالمخطوطات.
من جانبه، قال محمد خليفة المبارك رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي: «إن مؤتمر ومعرض أبوظبي الأول للمخطوطات، يندرج في إطار حرص الدائرة المستمر للحفاظ على التراث العالميّ، عبر إطلاق مجموعة من المبادرات والفعاليات التي نجحت في تسليط الضوء على هذه القضية الملحة، وحشد الدعم الدولي لإيجاد الحلول وتسليط الضوء عليها».
واعتبر معاليه أن تنظيم هذا المؤتمر والمعرض يؤكد ما توليه أبوظبي من اهتمامٍ بالمخطوطات، لإيمانها بوجوب حمايتها والمحافظة عليها من التّلف، وبذل المزيد من الجهود لتحقيق ونشر ذخائرها الفريدة والمتميزة.
ونوه معالي محمد خليفة المبارك بإنجازات دولة الإمارات في مجال حفظ التراث وحمايته والتي تكللت بالفوز بمقعدٍ وعُضويةٍ دائمةٍ في لجنة التحالف الدوليّ لحماية التراث المهدّد بالخطر في مناطق الصراع (ألف)، سعياً إلى معالجة القضايا المهمّة بالنسبة للإرث الثقافيّ الإنسانيّ العالمي، حيث خصّصَتْ دولةُ الإمارات العربية المتحدة 15 مليون دولار لصالح هذا التحالف».
وأشار معاليه إلى أن دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي عملت على الصعيد المحلي خلالَ السنوات القليلة الماضية على إعادة ترميم وتطوير مجموعةٍ من المواقع التاريخية والثقافية، وتسجيل العديد من عناصر التراث المعنويّ على القائمة التمثيلية للتراث الثقافيّ غير الماديّ للبشرية في منظمة اليونسكو.
وأضاف: « على مدى خمسة عقود من العمل الحثيث، نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في وضع بصمتها الخاصة في جعل التراث هدفا للوصول إلى مستقبل مزدهر، مستمدين استراتيجيتنا اليوم لاستدامة وصون وتنمية إرثنا العريق، وهو ما غرسه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، في نفوس وعقول أبناء المجتمع الإماراتي بضرورة الحفاظ على التراث وتناقله عبر الأجيال».
وأشاد المر رئيس، بالمؤتمر والمعرض وما يضمه من أعمال ومخطوطات، تسهم في تعزيز مسيرة الإرث الإنساني، وحفظه، وهي بمثابة بوابة عبور ثقافية وجسراً بين الحضارات، تعزز من المهمة الرامية لدعم الحوار بين الثقافات وقبول التنوع في المجتمعات والشعوب.
وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر قال عبدالله ماجد آل علي، المدير التنفيذي بالإنابة لقطاع دار الكتب في دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي «نؤكدُ من خلال مؤتمرنا اليومَ الذي يتزامنُ مع انطلاق «عام التسامح» أنّ التراثَ العربيَّ والإسلاميَّ غنيٌ بما يحملُه في طياته عبرَ القرون من قيم التسامح الفكريّ والعقائديّ والثقافيّ معَ الآخر، والقدرة على التعايش معهُ يتيحُ لنا اليومَ الانفتاحَ على الآخر والتعرُّفَ على إنجازاته والاستلهامَ منها، حيثُ تمزجُ فعالياتُ مؤتمرنا بينَ الأصالة والمعاصرة لتراثنا العربيّ، لتكونَ عاصمتُنا الرائدةَ في نشر التراث العربيّ والاهتمام بأصوله ودعم المختصينَ به، فالمخطوطاتُ هي المعبرةُ عن هويّتنا الحضارية العريقة وتميزنا كأمةٍ، وهنا يأتي دورُ مفكّرينا وباحثينا لإثراء وصون هذا التراث».

4 ملايين مخطوطة
شهد اليوم الأول للمؤتمر، جلسة افتتاحية بعنوان «المخطوطات العربية في الحروب والأزمات»، أدارها الدكتور محمد الشوابكة من المملكة الأردنية، وشارك فيها كل من الدكتور نواف عبد العزيز الجحمة من الكويت، وعائشة زيد دماج من اليمن، ونعيم حيماد ومحمد على وسيط من المملكة المغربية. بدأت الجلسة بكلمة للشوابكة ألقى فيها الضوء على المخطوطات العربية والإسلامية وأهميتها في التاريخ الإنساني من خلال 4 ملايين مخطوطة بحسب كثير من العلماء والمحققين، تتضمن شتى العلوم والمعارف التي أسهم بها العرب والمسلمون وسجلت حضورهم القوي في التاريخ.
وتناول الدكتور نواف عبد العزيز الجحمة، محور حفظ المخطوطات أثناء أزمة الكويت، والأعداد الكبيرة من الوثائق والكتب والمخطوطات التي جرى تدميرها خلال هذه الأزمة بأساليب كثيرة تنوعت بين الحرق والسرقة والتهريب، وكيف أن هذه الأزمة خلفت واقعاً مريراً فيما يخص المخطوطات العربية والإسلامية التي كانت موجودة في دولة الكويت قبل هذه الأزمة، ما استدعى بذل مجهودات لافتة لمحاولة إصلاح تلك الأضرار، خاصة وأن المخطوط له أهمية كبرى في التاريخ العربي والإسلامي كما أن القرآن الكريم حافظ على هذه المخطوطات من التحريف والتبديل بفضل اللغة العربية وديمومتها خلال الحقب الزمنية الفائتة، والمخطوط له أهمية استراتيجية في التراث الإسلامي الذي يعتبر الأضخم في تاريخ البشرية.

إعلان أبوظبي
فيما أشادت الباحثة اليمنية، عائشة دماج، بجهود الإمارات في مجابهة المخاطر التي يتعرض لها التراث الإنساني في الدول التي تتعرض للحروب، ومن ذلك إعلان أبوظبي 2016 للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر باعتباره وثيقة تاريخية تعمل على إيجاد حلول عاجلة لحماية موروثات الشعوب.
كما نوهت إلى دور الحكومة الشرعية في اليمن مع التحالف العربي والدولي وكذا المنظمات الدولية لإجبار الحوثيين على تطبيق بنود اتفاقية لاهاي وغيرها من المعاهدات الدولية للحفاظ على التراث وخاصة المخطوطات في زمن الحروب.
أما نعيم حيماد، سلط الضوء على المخطوطات العربية في أفريقيا أثناء الحروب خاصة في منطقة تمبكتو في جمهورية مالي باعتبارها أكبر خزان للمخطوطات القديمة في قارة أفريقيا عبر مئات الآلاف من المخطوطات في هذه المنطقة من العالم التي تعرضت لهجمات شرسة على موروثها من المخطوطات الإسلامية أسفر عن حرق وتهريب وترحيل الآلاف من هذه المخطوطات بسبب ظروف الحروب وعدم الاستقرار التي عانتها تلك المنطقة، غير أنه في مرحلة لاحقة وعلى يد رئيس جمعية حفظ التراث في شمال مالي، عبد القادر حيدرة ودعم شركاء محليين ودوليين جرى مجابهة هذا الخطر بإجراء عمليات جرد وصيانة واسعة ثم تصنيف ونسخ ورقمنة المخطوطات لتجنيبها أي مصير سيئ في أزمنة الحروب والصراعات.
في حين تناول محمد علي وسيط، بصفته محامياً متخصصاً في الدفاع عن الموروثات الثقافية بمختلف أشكالها، أساليب الحماية القانونية المتبعة لحفظ المخطوطات العربية أثناء الحروب، مؤكداً على أهمية اتفاقية لاهاي التي انبثقت عن الحرب العالمية الثانية لتصدر في عام1954 واعتبارها أهم اتفاقية دولية لحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح.

تدابير واجبة
وشدد وسيط، على دور اتفاقية اليونسكو 1970 بشأن التدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية ومنها المخطوطات وهي أول اتفاقية دولية مخصصة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية. تم اعتمادها في المؤتمر العام السادس عشر لليونسكو 14 نوفمبر 1970 في باريس. مؤكداً أن هذه المعاهدات والقوانين تمثل جسر تواصل مع المؤسسات العالمية التي تحافظ على الثروة المخطوطية من جيل إلى جيل وفقاً لاستراتيجيات محددة.