محمود عبدالعزيز: عانيت كثيراً لأصل إلى النجومية.. وأكره دور الفتى الأول
أكد ساحر السينما المصرية محمود عبدالعزيز أنه مسكون بعفريت الفن منذ طفولته وأنه لم يستطع التخلص من ذلك «المس» رغم محاولاته مراراً وتكراراً الهروب والخلاص وتغيير دفته، وكان تحذير والده أحد الأسباب التي جعلته يلتحق بكلية الزراعة وأن يكون التمثيل مجرد هواية. ومن دون أن يشعر كان يجد نفسه مشدوداً لتلبية رغبات ذلك العفريت. وبمرور الوقت نجح في أن يصارع تقلبات الأمواج ويتحدى الرياح وبهدوء «الجنتل» لم يستسلم لإغراء أدوار الفتى الأول التي رشحته لها وسامته وظل يبحث عن دروب ومناطق لم يذهب إليها غيره ليستقر في «الكيت كات» ومنها يتربع على القمة من خلال إبداعه في شخصية «الشيخ حسني» الضرير، ويظل الفيلم يحصد النجاح التجاري والنقدي حتى الآن.
فتح محمود عبدالعزيز قلبه وتحدث عن مشواره في واحدة من اللقاءات الإعلامية القليلة التي يطل منها، فهو أقل النجوم ظهوراً في وسائل الإعلام ولكنه عندما يختار الكلام يكون على استعداد للبوح والإجابة عن كل ما يهم جمهوره.
جاء ذلك في أمسية «مشوار نجم» التي نظمها المركز الكاثوليكي للسينما بالقاهرة لتكريم محمود عبدالعزيز وحضرها عدد كبير من أصدقائه وزملائه، منهم ميرفت أمين والمخرجان كرم النجار ومجدي أبوعميرة وحشد كبير من الإعلاميين والنقاد والفنانين.
تحدث محمود عبدالعزيز الذي كان يعاني نوبة برد واضحة عن بداياته وكيف واجه الإحباط عندما نصحه أحد المخرجين في بداية مشواره بأن يبحث عن مجال آخر غير التمثيل.
وقال: أستعيد ذكريات البدايات وأبحث عن سر حبي للتمثيل وتعلقي به كل هذه السنوات، وأجد نفسي أقف أمام مشهد حيث كنت أستمتع بتقليد بعض الشخصيات أمام أفراد عائلتي ونحن على شاطئ ستانلي بالإسكندرية، وكنت أسعد عندما يضحكون ولم يكن يشغلني أنهم يضحكون عليَّ بقدر ما كنت أجد لدي رغبة في أن أقدم شيئاً يسعد الناس.
وقال: أعتقد أن هذا هو دافعي الحقيقي لحب الفن والتمثيل وكان أملي أن ألتحق بمعهد التمثيل لولا رفض والدي. وما زلت أذكر ذلك الخلاف فقد كنت متفوقاً في الثانوية العامة وقررت الالتحاق بكلية الزراعة بجامعة الإسكندرية لأنني كنت أعرف أنها خرجت أجيالاً من الفنانين وكان بها مسرح كبير «مسرح فيكتوريا» وأول شيء فعلته في أول يوم دخولي الجامعة هو البحث عن مسرح الكلية وهناك التقيت بزملاء ومخرجين وبدأت أشارك في العروض وحصلت على جوائز.
ويضيف: تصورت أنني على الطريق الصحيح خاصة بعد تشجيع المخرج كرم النجار لي فهو خريج كلية الزراعة أيضاً وكان يتولى إخراج وتأليف العروض المسرحية، وفي السنة النهائية واجهنا مأزقاً كبيراً عندما اعتذر كرم النجار عن عدم إخراج العرض وتوجهت إلى مخرج آخر ولكنه صدمني. وقال أنصحك بالبحث عن مجال آخر غير التمثيل ورغم حالة الإحباط التي أصابتني فكرت في اللجوء للمخرج الراحل نور الدمرداش الذي أدين له بالفضل الكبير في حياتي وتعلمت منه الكثير وأفادني كممثل.
ووجدت نفسي مدفوعاً للذهاب إلى القاهرة ولن أنسى كلمات والدي التي أدركت صدقها بمرور الزمن وما زالت تتردد في أذني «يا بني لقد اخترت الطريق الصعب» وهذه حقيقة أشعر بها كل يوم، لأن الفن طريق صعب جداً. وإذا لم يكن الإنسان يملك موهبة حقيقية ولديه إيمان بها ويريد أن يكون إضافة فلن يحقق شيئاً. وحتى عندما ينجح يظل دائماً في قلق وترقب ماذا بعد ذلك؟ وحتى عندما يكون في حالة سكون ولا يعمل فإن عليه أن يرصد ويتابع ويبحث عن عمل يحقق له وللناس متعة. وهذه المقولة أهديها اليوم بصدق للأجيال الجديدة من الشباب الذين يتصورون أن الفن هو الشهرة والفلوس والسكن الفاخر والمعجبات. وقد تكون تلك الأشياء مبهرة للفنان في البداية لكن إذا لم ينتبه لنفسه يفقد القدرة على الاستمرار.
أكره الفتى الأول
وعن تمرده على أدوار الفتى الأول يقول : أكره هذه النوعية من الأدوار لأنها لا تحقق لي أي متعة. وقد قدمت هذه الأدوار في بداياتي. وكان عمري صغيراً وكنت أريد أن يعرفني الناس، وكلما أذكر مسرحية «لوليتا» مثلاً أخجل لأنها لم يكن لها أي معنى. ورفضت أن أستسلم لهذه النوعية وقررت أن أعمل ما يرضيني ويرضي الناس وأتمنى أن أستمر ما بقي من حياتي أقدم أدواراً فيها متعة وإضافة لي وللجمهور.
وحول أول صدمة تلقاها في مشواره وتركت آثاراً في نفسه قال : بعد حصولي على جائزة أحسن ممثل في السنة النهائية عن نص للكاتب الأميركي آرثر ميللر بعنوان «مشهد من الجسر» وحصول المسرحية على أحسن عرض. جئت إلى القاهرة مرة أخرى لألتقي بالمخرج الذي أصابني بالإحباط في المرة الأولى ولكنه سود الدنيا في وجهي بشكل غير طبيعي. وعدت إلى الإسكندرية في قمة الإحباط واليأس وفكرت أن أصبح باحثاً في مجال الزراعة ولكني لا أريد أن أكون مجرد باحث عادي لذلك فكرت في السفر إلى النمسا، حيث بها أشهر باحث في مجال الحشرات وهو تخصصي وقررت إكمال دراساتي العليا والماجستير هناك وأمضيت أربعة أو خمسة أشهر في بيع الصحف وقادتني خطواتي من دون أن أدري لأقف أمام الأوبرا هناك، لأبيع الصحف وأتفحص وجوه الناس والممثلين واقترب من الباب الذي يؤدي إلى الكواليس. وكنت أنام في محطات السكة الحديد وشعرت باشتياق لمصر وخاصة أن شهر رمضان كان قد اقترب، فعدت للإسكندرية وبدأت أعد للماجستير عن «النحل» والحقيقة أن ذلك لم يكن حباً حقيقياً في الدراسة لكني كنت أحب العودة لممارسة نشاطي الفني في الجامعة، فلم تكن فرقة الإسكندرية المسرحية ترضي طموحي ولا إذاعة الإسكندرية، وأذكر أنني كنت أتقاضى راتباً قدره 16 جنيهاً و80 قرشاً مقابل عملي كباحث في مركز بحوث الحشرات وكان مبلغاً لا يمكن الاستغناء عنه. ولن أنسى ثقة زملائي وتشجيعهم ومنهم المخرج كرم النجار وآخرون كانوا مقتنعين بموهبتي وشجعوني على المحاولة مرة أخرى، ووصل الأمر أنهم جمعوا لي ثلاثين جنيهاًً لتعينني على تحمل نفقات الحياة وهي تكفي لأن أنفق يومياً جنيها كاملاً وأعيش في حالة ميسورة.
ضابط إسرائيلي
ومرة أخرى ذهبت إلى نور الدمرداش وعرض عليَّ دوراً في مسلسل بعنوان «كلاب الحراسة» وقال لي : يمكن تبقى اسماً لا مجرد رقم إذا كنت تحب التمثيل. بمعنى أن هناك عدداً كبيراً من الممثلين في التليفزيون، لكن عدداً قليلاً هم أصحاب الأسماء المعروفة التي لا تنسى. ورغم رغبتي في البقاء بالقاهرة إلا أن ذلك كان غير ممكن من الناحية المادية لذلك قررت نقل نفسي إلى القاهرة لاحتفظ براتبي. وعندما اكتشفت أن دوري في المسلسل لضابط إسرائيلي رفضته. وبعدها منحني نور الدمرداش فرصة لأعمل مساعداً له في عدة أعمال اكتسبت خلالها خبرة كبيرة وبعدها جاءت أولى خطواتي كممثل في مسلسل «الدوامة».
ويعترف محمود عبدالعزيز بأنه عاش الكثير من أحلام اليقظة التي تحقق بعضها ومنها أنه بعد مشاهدته للنجوم والفنانين من خلال عدسة المخرج الراحل نور الدمرداش كان يحلم بأن يقدمه نور الدمرداش في أول ظهور له.
ويواصل الساحر سرد أحلامه قائلاً: بعد النجاح المدوي لمسلسل «الدوامة» كان حلمي أن يقدمني المنتج رمسيس نجيب للسينما وانتظرت اتصاله بعد الصدى الكبير الذي حققه المسلسل ومرت أشهر ولم يتحقق هذا الحلم وهاجمني اليأس وقلت طالما أن هذا الرجل لم يلتفت إليَّ فأنا لست موهوباً بالدرجة التي تستحق أن يتحمس لي وربما أنا فاشل. وفجأة حدث ما حلمت به وجاءني اتصال من مكتبه يطلب مقابلتي.
وبصوت مليء بالشجن يقول : بكل أمانة كان رمسيس نجيب هو الأب الروحي لي بعد نور الدمرداش وكان لقائي به مثيراً للغاية، فقد التقيت به في حجرة واسعة وكان بها مجموعة من الأشخاص لم أكن أعرف منهم سوى وحيد فريد مدير التصوير السينمائي الشهير، أما الباقون فقد كانوا جميعاً لواءات في الطيران وطلب مني إحضار كتاب من أرفف المكتبة ثم طلب مني إعادته وفي اليوم التالي أبلغني باختياره لي لبطولة فيلم «حتى آخر العمر» لأجسد شخصية ضابط طيار وبدأت التدريبات في الفروسية وألزمني بقائمة ممنوعات منها عدم السهر وأصبحت كأنني ضابط فعلاً.
لم أكن معزولاً
ويبرر محمود عبدالعزيز غيابه لمدة ست سنوات بعد فيلم «الساحر» للمخرج رضوان الكاشف ظل خلالها يعتذر عن أي أعمال تعرض عليه قائلاً : ليس معنى الابتعاد أنني لا أريد العمل ولا احتاج إليه لان الإنسان دائماً يحتاج إلى العمل لكن الفن شيء مختلف، فإذا كان العمل من أجل توفير نفقات الحياة فإن ساندويتش الفول يحل مكان أي وجبة فاخرة والتنزه يمكن أن يكون بأقل الإمكانيات والابتعاد كان لأنني لا أريد تقديم عمل غير جيد لا يسعدني ولا يسعد الناس. وليس هذا زهداً أو لأنني مليونير ولكن بكل بساطة لأنني وصلت لمرحلة من الوعي تجعلني أقبل التضحية بأي شيء إلا الفن. وأتحمل ظروف الحياة والغياب ولا أتحمل أن يقول لي الناس باستنكار ما هذا الذي تقدمه؟
وعن قدرته على التواصل مع الجمهور بعد الغياب رغم أن نوعية الجمهور تغيرت يقول: عندما ابتعدت وتوقفت لم أكن معزولاً عن الفن والناس وكانت أعمالي تعرض دائماً على الفضائيات ومنها «تزوير في أوراق رسمية» و»العار» و»الهجان» و»الكيف» وكنت مشغولاً بمشاهدة الأفلام الجديدة في مصر والخارج وأتجول على قدمي بين الناس وأسمع لغتهم وتعليقاتهم لذلك ظل التواصل بيني وبينهم موجوداً حتى قدمت «ليلة البيبي دول» ثم «إبراهيم الأبيض».
سؤال صعب
وعن أسلوبه في تجسيد الشخصيات الدرامية بكاريزما خاصة به تجعلها محفورة في وجدان الجمهور يقول: الإجابة صعبة. والمهم أن أحب الشخصية ثم أبحث دائماً عن جديد في السيناريو أو الشخصية وأفتش بين السطور عن معان ومفاتيح أستطيع أن أضيف من خلالها إضافة فيها نوع من الاجتهاد والإبداع وقد أستدعي من الذاكرة نماذج إنسانية احتفظ بها. وبالطبع شخصيات مثل «الشيخ حسني» في «الكيت كات» كانت صعبة جداً وأصبت بتقلصات لمدة شهر في أمعائي وأنا افتش عن ملامح مختلفة وذهبت لجمعية «النور والأمل» وساعدني زملائي وأصدقائي في العثور على الشكل الذي خرجت به الشخصية إلى جانب دور المخرج داود عبدالسيد وسعيد بأنني قدمتها قبل مشاهدتي لأداء آل باتشينو لشخصية الضرير.
وقال: أما شخصية «عبدالملك زرزور» في فيلم «إبراهيم الأبيض» فهي من أصعب الأدوار في حياتي. هذا الرجل كان يعتبر نفسه إله المنطقة العشوائية ووجدت في 4 سطور كتبها السيناريست عباس أبوالحسن الطريق إلى رسم ملامحه بالصورة التي ظهر بها وطريقتي هي تحليل كل كلمة وتخيل خلفية للشخصية حتى لو لم تكن مكتوبة، إنه رجل عمره 78 عاماً وجميع أفراد عائلته وعصابته مسجلون خطر، أما هو فقد اعتقل ثلاث مرات ووجهت له كل التهم في عدة جرائم قتل ومخدرات ولم تثبت عليه أي تهمة وغير مسجل وله دور في تسليم بعض المجرمين للشرطة التي لا يمكن أن تصل إلى هذه الأوكار. ويضيف: رغم كل ما أثير عن الفيلم من أنه يحوي مبالغات فإنني عندما بدأت الإعداد للشخصية عرفت حقائق مثيرة، منها أن هناك نحو 1500 منطقة عشوائية في مصر والقاهرة وحدها بها 85 منطقة عشوائية يقطنها نحو 20 مليوناً وكان من المستحيل التصوير في أي من هذه المناطق، لذلك كان بناء الديكور العبقري الذي صممه أنسي أبوسيف وكان الهدف من الفيلم هو التحذير من الخطر القادم المتمثل في هذه الأحياء. ولكل منها «زرزور» معروف وأسماؤهم متداولة ومنهم «النمر» و»الفهد» و»القط» و»القرد» والفيلم حقق صدى كبيراً عند عرضه تجارياً في سوق مهرجان كان السينمائي العام الماضي حيث نجح في إثارة المشاعر وهو ما كان يهدف إليه المخرج مروان حامد.
ليس به «واسطة»
وحول موقفه من دخول ابنيه محمد وكريم عالم الفن قال: الفن شيء ممتع ولكنه الطريق الصعب وقلت لهم ذلك، لكن الأبناء في هذه الأيام لا يمكن أن تفرض عليهم شيئاً وإذا كنت من جيل الأبناء الذين كانوا يقبلون أيدي الآباء فأنا الآن من جيل الآباء الذين يقبلون أيدي الأبناء وقد نبهت أبنائي إلى أن الطريق صعب. ومحمد مهتم بالكتابة والتمثيل وكريم يهتم بالتمثيل. ولا يمكن أن أكون واسطة لهم في الفن. أنا بدأت حياتي الفنية وأنا أركب الترام وهما الآن يركبان السيارة ورغم أنني أحبهما جداً لكن لا استطيع أن أرشحهما للعمل واعتقد أن كل واحد لا بد أن يجتهد ويبذل ما يستطيع ليثبت نفسه. ولو لم يكن موهوباً فلا فائدة. والمساعدة الوحيدة هي أنني أقف بجوارهما كأب ويجدان بيتاً مريحاً وما يحتاجان إليه من دعم مادي ونفسي فقط، لأن الفن ليس به «واسطة».
المصدر: القاهرة