«جي ستريت»... لوبي يهودي جديد مواز لـ«إيباك»
منذ خمسينيات القرن الماضي ظلت منظمة "إيباك" الذراع الرئيسية للجالية اليهودية-الأميركية بما تبذله من جهود لتعزيز دعم واشنطن لإسرائيل. ولكن نشأت إلى جانبها في العام الماضي منظمة جديدة تدعى"جي ستريت" موازية لما يراه الكثير من يهود أميركا التقدميين من ميول يمينية واضحة لمنظمة "إيباك" الأم. كما يعاب على هذه الأخيرة عدم تمثيلها لمواقف وآراء اليهود الأميركيين التقدميين الذين يطالبون حكومة بلادهم ببذل المزيد من الجهد من أجل التوصل إلى حل الدولتين للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
يذكر أن المؤتمر القومي الأول الذي عقدته "جي ستريت" في واشنطن ابتداءً من يوم الأحد الماضي إلى يوم أمس الأربعاء كان قد استقطب 1500 من الحضور، وهو رقم فاق كثيراً ما توقعه منظمو المؤتمر. والأكثر إثارة للاهتمام أن المؤتمر لفت انتباه أعلى المستويات في الدوائر الحكومية والدبلوماسية، إضافة إلى ما حظي به من تغطية واسعة في الفضاء الإلكتروني، وما دار عنه من حوار عبر المدونات الإلكترونية عما تعنيه هذه المنظمة بالنسبة لمستقبل العلاقات الأميركية-الإسرائيلية.
وقال الجنرال جيمس جونز -مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما، وأرفع مسؤول حكومي أميركي يخاطب المؤتمر- "إن إدارة أوباما تؤمن بأنه لا انفصال بين سلام إسرائيل وأمنها". ولكن كان ملاحظاً جداً غياب "مايكل أورين" سفير إسرائيل لدى واشنطن- الذي عين للمنصب من قبل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية- عن ذلك المؤتمر. فبعد مضي عدة أسابيع من عدم اتخاذه قرارا بشأن رفض أو قبول الدعوة التي وجهت إليه لحضور المؤتمر، أعلن السفير عدم حضوره في الأسبوع الماضي. والذي فهم من ذلك الرفض أن السياسات التي يتبناها المؤتمر لا تنسجم وتلك التي يتبناها رئيس الوزراء الإسرائيلي، على رغم أنها تعكس وجهات النظر القائمة على حل الدولتين، وهي التي أيدتها إدارة أوباما.
وأوضحت السفارة الإسرائيلية في واشنطن عبر بيان صحفي أصدرته (أنها عبرت لمنظمة جي. ستريت عن آرائها فيما يتعلق بعملية السلام، وأفضل السبل لضمان أمن إسرائيل). و"في حين تدرك السفارة مدى الحاجة إلى إدارة حوار حر مفتوح حول هذه القضايا، إلا إنه من المهم بالقدر نفسه تأكيد حذرنا من سياسات بعينها ربما تعيق أو تضر بالمصالح الإسرائيلية". وكشفت السفارة عن أنها ظلت تعرب عن هواجسها هذه تجاه بعض سياسات "جي. ستريت الخاصة بعملية السلام" سراً لمسؤولي المنظمة، إلى جانب تأكيدها إرسال مراقب عنها للمؤتمر بهدف متابعة ما يدور فيه من حوارات ونقاشات بقدر كبير من الاهتمام.
غير أن تلك الاستجابة من جانب السفارة الإسرائيلية في واشنطن لم ترق للكثيرين في إسرائيل، خاصة منتقدي نتنياهو الذين يتهمونه بالتباطؤ في السير نحو السلام. وقال هؤلاء إنه كان ينبغي لنتنياهو أن يرحب بانعقاد مؤتمر منظمة "جي ستريت" ونجاح المنظمة في إنشاء قنوات اتصال بينها ودوائر السلطة واتخاذ القرار في واشنطن.
في المقابل يلاحظ ترحيب عدد كبير من أحزاب "الوسط" والأحزاب "اليسارية" الإسرائيلية -بما فيها حزب "كاديما" الرئيسي المعارض- وكذلك حزبي "العمل" و"ميرتس"، وغيرهما كثير من كبار الشخصيات الإسرائيلية المؤيدة لعملية السلام -بمن فيهم جنرالات عسكريون متقاعدون والكاتب الإسرائيلي آموس أوز- بانعقاد مؤتمر منظمة "جي ستريت" المذكور. وقد عبر بعض هؤلاء بنشر صفحة تهنئة كاملة في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الصادرة يوم الثلاثاء الماضي. وقال الموقعون على تلك التهنئة في الصفحة المشار إليها: “نحن نرحب بالجهود التي تبذلونها من أجل مساعدة إسرائيل على تحقيق السلام الدائم مع جيرانها، ولضمان مستقبل أمن إسرائيل باعتبارها دولة ديمقراطية". ووصف الموقعون منظمة جي ستريت بأنها تمثل "صوتاً جديداً للجالية اليهودية الأميركية المؤيدة لإسرائيل". وقال الموقعون أيضاً: نحن نتطلع إلى التعاون معكم بهدف الدفع بأجندة عملكم المهمة للأمام خلال السنوات المقبلة".
وفي المقابل فإن رفض الوزير الإسرائيلي للدعوة الموجهة إليه لحضور مؤتمر منظمة جي ستريت- وهو الذي كان حضوره بارزاً وملحوظاً في المؤتمر السنوي لمنظمة إيباك- لا يشير إلى هفوة دبلوماسية عابرة فحسب، إنما إلى تنامي الفجوة بين منظمة إيباك ورؤى حكومة نتنياهو التي يمثلها السفير إيرون من جهة، والتيار اليهودي المؤيد للسلام من الجهة الأخرى.
فعلى امتداد ما يزيد على الخمسة عقود، ظل موقف إيباك أحادياً فيما يتعلق برأي الجالية اليهودية الأميركية في ما ينبغي أن تكون عليه علاقات واشنطن وسياساتها الخارجية إزاء منطقة الشرق الأوسط. وعلى رغم وجود الآراء المخالفة والمعارضة لسياسات "إيباك" في كل الظروف والأحوال، إلا إن هذه هي المرة الأولى التي تعبر فيها مجموعة كبيرة من أفراد الجالية عن رأيها في سياسات إيباك وفي تباطؤ إسرائيل إزاء عملية السلام، بتنظيم منبر مواز لإيباك. وبذلك تمثل منظمة "جي ستريت" لوبيا يهوديا جديدا في أميركا، موازيا ومناهضا لإيباك.
وعلى حد تعبير البروفيسور "بيتر ميدلينج"، الأستاذ المتخصص في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية بالجامعة العبرية بمدينة القدس: فإن ظهور منظمة "جي ستريت" يعد حدثاً جديداً إذا ما وضعنا في الاعتبار صعوبة تذكر المرء لوجود أي منبر للوبي اليهودي في أميركا عدا عن منظمة "إيباك". فلم يرصد تاريخ العلاقات الأميركية-الإسرائيلية مطلقاً وجود منظمتين يهوديتين في وقت واحد تمثلان رأي الجالية اليهودية هناك. واستطرد البروفيسور قائلا: بالنظر إلى ما حدث من الناحية التاريخية، تبدو هذه الخطوة ردة فعل متأخرة جداً على حقيقة انقسام المجتمع الإسرائيلي على نفسه فيما يتصل بما يجب عمله إزاء الأراضي التي ظلت إسرائيل تحتلها منذ عام 1967.
ولكن لاحظ البروفيسور في الوقت ذاته أن ما تحاول "جي ستريت" فعله اليوم ليس مستساغاً لدى الكثيرين من أفراد الجالية اليهودية الأميركية. وأظن أن المسألة الرئيسية هنا هي السؤال: لمن يحق التحدث باسم الجالية اليهودية الأميركية؟ وفي الإجابة يجب القول -والحديث لا يزال للبروفيسور- إن "جي ستريت" تمثل صوتاً جديداً حيوياً لجيل إسرائيلي حديث يرغب في رؤية مستقبل مختلف لوطنه الأم: إسرائيل.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
المصدر: واشنطن