رابطة الآسيان... ومقترحات التطوير
قام مؤخرا شريكان إقليميان في "رابطة الآسيان"، وهي تكتل تجاري آسيوي بجنوب شرق آسيا، برسم الخطوط العريضة لمقترحات مهمة حول إنشاء مجموعة اقتصادية على النموذج الأوروبي في القارة الآسيوية، التي تضم أكثر الاقتصادات دينامية في العالم.
ففي قمة عقدت مطلع الأسبوع الجاري بتايلاند، طرح رئيس الوزراء الياباني "يوكيو هاتوياما" فكرة إنشاء "مجموعة شرق آسيا" تشترك في عملة واحدة و"تقود العالم". هذا بينما اقترح رئيس الوزراء الأسترالي "كيفن رود"، في مناسبة منفصلة، إنشاء كتلة اقتصادية لآسيا والمحيط الهادي تشمل الولايات المتحدة، وتتعاون معها بشأن القضايا الأمنية.
غير أن العراقيل السياسية التي تعترض طريق الاندماج الاقتصادي، مثل المسائل التي تتعلق بمكان للولايات المتحدة في أي تكتل اقتصادي، والتنافس بين القوى الآسيوية الكبيرة مثل الصين واليابان، قد تحبط الإعلان السريع عن أي من المخططين. وعلاوة على ذلك، ثمة أيضاً توترات حول من سيقود أي انتقال إلى سوق مفتوحة للسلع والخدمات، حيث تخشى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وهي الكتلة الإقليمية التي استضافت قمة الدول الست عشرة، أن يتم الالتفاف عليها وتجاوزها من قبل اقتصاديات أكبر ويتم تقليص دورها إلى دور ثانوي. فنظريا، يُفترض أن تؤسس "آسيان" سوقاً مشتركة تضم ما يزيد على 500 مليون نسمة في عشرة بلدان أعضاء بحلول 2015؛ غير أن هذا التاريخ يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه طموح جداً وغير واقعي بالنظر إلى التفاوتات السياسية والاقتصادية بين الأعضاء، هذا إضافة إلى استمرار تصدعات كانت واضحة خلال القمة. وقد صل "هاتوياما" مؤخرا إلى السلطة واعدا بإيلاء اهتمام أكبر بالدبلوماسية اليابانية في آسيا. ويبدو أن مقترحه بشأن وحدة اقتصادية في شرق آسيا هو أولى الثمار، كما يرى مايكل مونتيسانو، زميل معهد دراسات جنوب شرق آسيا في سنغافورة، والذي يقول: (إنه تذكير بالنسبة لـ "آسيان" بأن وتيرة الاندماج (في إطار آسيان) بطيئة... والمشكلة الحقيقية هي ما إن كان (المقترح الياباني) سيُدار من قبل "آسيان" أم لا. فذاك مصدر قلق حقيقي).
والواقع أن مقترح "رود" بشأن تحالف اقتصادي أوسع، يعد أقل استساغة من نظيره الياباني نظراً لأنه قد يفرض في النهاية معايير اقتصادية على البلدان الأعضاء، كما يقول "مونتيسانو". وبالمقابل، فإن "آسيان" خففت الالتزام بحقوق الإنسان والديمقراطية في ميثاقها الذي تم تبنيه هذا العام دفاعاً عن أعضاء مثل بورما التي يحكمها العسكر وفيتنام الشيوعية. كما أن الامتياز بالنسبة لمقترح هاتوياما، هو أنه يبنى على علاقات "آسيان" الحالية مع الصين وكوريا الجنوبية واليابان، وهو ما يناسب رؤية بكين، كما يرى "تيتينان بونجسوديراك"، مدير معهد الدراسات الأمنية والدولية في بانكوك، إذ يقول: "إن الصين كانت دائماً تفضل إطاراً أضيق وأكثر تنظيماً لشرق آسيا".
ولكن اليابان قد تجلب الولايات المتحدة حتى تُشكل وزناً مضاداً في مواجهة تنامي قوة الصين في آسيا، كما يقول بونجسوديراك، وهو ما من شأنه أن يؤجج التنافس في شمال شرق آسيا. ويمتد التكتل الذي تقترحه أستراليا عبر المحيط الهادي، ويبدو مشابها من حيث نطاقه لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي، الذي يعقد اجتماعه السنوي الشهر المقبل في سنغافورة، حيث يشمل الهند، التي وقعت ميثاقا تجارياً محدودا مع "آسيان" في أغسطس الماضي. غير أن المقاومة الداخلية، للاتفاقيات التجارية الموجودة في آسيا تشير إلى صعوبة تحقيق الاندماج بين اقتصادياتها، وبخاصة حين تشمل قطاعات حساسة مثل الزراعة. ففي تايلاند مثلا، تسببت اتفاقية تجارية ثنائية عام 2003 في غضب عارم بين صغار المزارعين الذين اشتكوا من تدفق المنتجات الصينية الرخيصة. كما تعثرت مواثيق تجارية إقليمية أخرى بسبب عكسي حيث حالت الحمائية التجارية دون دخول المنافسين حيث تصادمت تايلاند والفلبين مؤخرا بسبب الحصص المحددة لواردات الأرز داخل "آسيان".
والواقع أن التدفق التجاري داخل "آسيان" عرف ارتفاعاً مضطرداً على مدى العقد الماضي؛ ولكن معظم المكاسب تحققت بين اقتصاديات أكثر انفتاحاً مثل اقتصاديات ماليزيا وتايلاند، وليس بين اقتصاديات متأخرة مثل بورما وكولومبيا. وهو ما خلق نظاماً ذا مستويين قد يكون من الصعب تحقيق الاندماج بين أعضائه، اللهم إلا إذا انسحب اللاعبون الصغار. وعلاوة على ذلك، فإن المنطقة مازالت تعتمد على الصادرات إلى أوروبا والولايات المتحدة واليابان، وإنْ كانت الصين قد باتت تشكل على نحو متزايد وجهة للمنتجات والسلع شبه النهائية.
غير أن "آسيان"، التي بدأت عام 1967 كتحالف مضاد للشيوعية، تبتلي أيضاً بخصومات ونزاعات داخلية. ففي الآونة الأخيرة مثلا، تلاسنت كمبوديا وتايلاند بسبب وضع رئيس الوزراء السابق "تاكسين شيناواترا"، المنفي والهارب من العدالة التايلاندية، حيث قال رئيس الوزراء الكمبودي "هون سين" للصحافيين خلال القمة إن "تاكسين" مرحَّب به في كمبوديا، رغم أن الدبلوماسيين التايلانديين شددوا على ضرورة اعتقاله وتسليمه إذا سافر إلى هناك. وإضافة إلى ذلك، فقد دخل البلدان خلال العام الماضي في مناوشات مسلحة حول معبد حدودي متنازَع عليه، وهو موضوع عجزت "آسيان" عن معالجته.
باصطفافه إلى صف تاكسين وتعاليه عن الحكومة الحالية، يكون هون سين قد غاص عميقا في بحر السياسة التايلاندية المشحون، كما يقول تيتينان الذي يضيف: "إن الجميع يعلم أن تايلاند منقسمة جدا، وأن الطريقة التي ينبغي التعاطي بها معها هي عدم التدخل في شؤونها الداخلية".
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
المصدر: بانكوك