ساسي جبيل (تونس)
يتساءل الكاتب التونسي الحائز على جائزة (البوكر العربية) شكري المبخوت، في كتابه الجديد «تاريخ التكفير في تونس/ أبناء بورقيبة» الجزء الثاني الصادر عن دار مسكلياني عن أبناء بورقيبة، ويجيب أنه لم تكن عودة بورقيبة القويّة رمزياً بعد ثورة يناير 2011 مجرّد استعادة لشخصيّة تاريخيّة عاديّة، فالزعيم بورقيبة يمثّل، موضوعيّاً وبصرف النظر عن الموقف منه عَلَماً لخّص جملة من المعاني الكبرى في التاريخ التونسي المعاصر ما تزال فاعلة مؤثّرة. ويضيف المبخوت، أنه مهما تنازعنا في دوره في استقلال البلاد، فقد اختار بقراءة واعية لتاريخ تونس الحديث والمعاصر أن يكون مؤتمناً على الرصيد التحديثي الوطنيّ التونسي الذي تشكّل بالخصوص في الثلاثينات من القرن الماضي مع نخبة من أبناء جيله. ويؤكد المؤلف في كتابه هذا أنه مهما كان تقييمنا لمنجزات دولة الاستقلال وإيديولوجيّتها، فإنّ بورقيبة معروف بدعوته إلى قراءة مجدّدة للدين، وبتركيز التعليم العصريّ بعد القضاء على التعليم الزيتونيّ، وتأسيس الجامعة التونسيّة، فأوجد بذلك الإطار المؤسّسيّ لصياغة ذهنيّة جديدة.
وبهذا المعنى فإن كلّ قضايا التكفير التي شهدتها تونس بعد 1956 وخصوصاً خلال حكم بورقيبة الذي تواصل حتى 1987 من باب تكفير أبناء بورقيبة. فمن كُفّروا خلال عهد الاستقلال هم أبناء بورقيبة، إذ انتسبوا إلى النخبة الحديثة بعد أن درسوا في المؤسّسات التعليميّة والجامعيّة التي أنشأتها دولة الاستقلال حيث تجذّرت رؤيتهم الحداثيّة وإن اختلفت مساراتهم الشخصيّة. والطريف أنّ أبناء بورقيبة حين كبروا صاروا عرضة للتكفير مثله تماماً. والأطرف أنّنا لم نشهد في عهد بورقيبة إلاّ قضيّة تكفير واحدة كان ضحيّتها الشاعر محمد الصغيّر أولاد أحمد. أمّا بقيّة القضايا فقد شهدتها تونس على عهد بن عليّ بين 1989 و1990 وإن لم يكن طرفاً مباشراً فيها وإنّما جاء التكفير ممّن نصّبوا أنفسهم حرّاساً على ضمائر الناس.
فالشاعر محمد الصغيّر أولاد أحمد (1955-2016) انحاز، منذ أن دخل عالم الكتابة الشعريّة ونشر مقالاته الشيّقة في الصحافة المعارضة، إلى الشقّ الذي أزعج النظام البورقيبي ممثّلاً بالخصوص في الاتحاد العام التونسي للشغل والمعارضة الديمقراطيّة. فهو ابن لبورقيبة لم يرض بتسلّط دولته وخنقها للحرّيّات بقدر ما رفض القائلين بالدولة الدينيّة سرّاً أو جهراً من الإسلامويّين. أمّا محمّد الشرفي (1936- 2008) الذي كفّره حزب حركة النهضة الإخوانية في بداية تولّيه وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلميّ بين سنتي 1989 و1994 ورغم صدامه مع النظام في الستينات، وهو طالب انتمى إلى حركة آفاق اليساريّة المعارضة وسجن بسبب هذا الانتماء، فإنّه يعترف للزعيم بالفضل. يقول في مذكّراته: «كنت معجباً بحسّه البيداغوجي (التربوي) وما له من مهارة في تفسير أكثر النظريّات إحكاماً في لفظ سهل بيّـن. فقد كان يتوصّل إلى تيسير أفكار روسو وفولتير ومونتسكيو دون تحريف أو تشويه على نحو يقرّب به الأساسيّ من هذه الأفكار إلى المواطنين الأمّيّين ما دام لهم قدر من الذكاء. لقد كانت اختياراته تقدّميّة وأحياناً ثوريّة حقّاً».