أحمد السعداوي حرص تيواري من خلال الكتاب على تقديم صورة مصغرة لحياة الرئيس الهندي، معتبرا ذلك يسعى تيواري إلى سرد التطورات المختلفة التي عاشها عبدالكلام وعاشتها الهند معه في مراحل حياته المختلفة، منذ نشأته كأحد أبناء الشعب الهندي البسطاء، وحتى ظهوره الحالي على الساحة العالمية واحداً من أبرز الشخصيات الهندية المعاصرة، مستعرضاً تجربته كمدير لمشروع الصواريخ الهندية وحتى صعوده إلى سدة الحكم هناك ليصبح الرئيس الحادي عشر لجمهورية الهند، وكان ذلك استناداً للروايات التي قصها عليه عبدالكلام في أوقات متباعدة، بحسب ما تتيحه مشاغله العديدة التي تأخذ أكثر من 16 ساعة يومياً.ومن خلال مطالعة الكتاب نستشرف مراحل كفاح الدكتور أبوالفخر زين العابدين عبدالكلام على الصعيدين الشخصي والمهني، وندرك كيف أصبح هذا الكفاح جزءاً من الوعي الهندي والهوية الوطنية الهندية. يأخذنا عبدالكلام في بداية الكتاب في رحلة إلى الحي الفقير الذي كان يقطنه في مدينة راميشوارام، والاحترام الذي كان يناله أبوه المسلم الحريص على أداء فرائض دينه، وفي ذات الوقت احترام جيرانه من أتباع الديانات الأخرى، مما جلب له التقدير والحب من قبل الجيران. ويصف لنا عبدالكلام جلوسه على أرض المطبخ إلى جوار والدته وهي تضع له طعاما بسيطا على ورق من شجر الموز وهو ما يظهر بجلاء مدى بساطة النشأة التي كان عليها عبدالكلام، شأنه شأن الملايين من أبناء الشعب الهندي، ورغم بساطة هذه الحياة، إلا أنها ولدت لديهم الدوافع للارتقاء بدولتهم لتكون في مصاف الدول المتقدمة تكنولوجيا وإحدى الدول الكبري اقتصادياً على مستوى العالم في سنوات قلائل. ويستعرض الكاتب بعد ذلك علاقة زين الدين بالأشخاص الثلاثة ذوي التأثير الأكبر في حياته ويأتي في مقدمتهم والده، ثم صديقه أحمد جلال، الذي حُرم من إكمال تعليمه لضيق ذات اليد، غير أنه كان أكثر أهل البلدة ثقافة وكان أوحدهم الذي يكتب الإنجليزية وكثيراً ما تحدث مع زين الدين عن العلم والعلماء واكتشافاتهم، وهو ما جعل عبدالكلام يتطلع مبكراً إلى هذا العالم المبهر، وتمنى أن يكون واحداً منهم. أما الثالث فكان ابن عمه "شمس الدين" موزع الصحف الوحيد في المدينة، وشرح كيف كان يساعده في عمله وأول أجر تقاضاه عبدالكلام في حياته لقاء هذا العمل. وفي هذا السياق يوضح عبدالكلام، أن ثقافة أحمد جلال وشمس الدين الفطرية كانت من العوامل المهمة التي ساعدت على إظهار قوته الإبداعية، التي تجلت بعد رفقتهما واكتساب الكثير منهما ومن رؤيتهما للحياة وكيف تكون ويتكون النجاح فيها. نقطة تحول ثم يدلف إلى الحديث عن فترة دراسته للفيزياء في الجامعة وكيف بدأ يتذوق الأدب الكلاسيكي العالمي في السنة النهائية حيث أخذ يطلع على مؤلفات تولستوي، وهارودي، وسكوت وغيرهم من أعلام الفكر والأدب. بيد أنه يشير إلى أن جل اهتمامه انصب على علوم الفيزياء وصار ميله يتزايد لقراءة كتب علوم الكون، والأجرام السماوية وهو ما دفعه في النهاية للالتحاق بمعهد مدراس للتكنولوجيا بعد انتهائه من دراسة العلوم في الجامعة، حتى يعرف أكثر عن عالم الفضاء والطيران وهندسته. وهنا يوضح عبدالكلام أن سنته الثالثة والأخيرة في معهد مدارس للتكنولوجيا مثلت نقطة تحول في حياته وكان لها أعظم الأثر على مستقبله، حيث اجتاحت الهند في تلك الفترة مناخا جديدا من التنوير السياسي والجهود الصناعية. وكان عليه أن يختار ما يتفق مع منظومة التفكير العلمي التي بدأت تتبلور آنذاك، ويلفت إلى نشوء علاقة قوية بينه وبين البروفيسور سرينيفاس على إثر نجاحه في إكمال إحدى المهمات العلمية في ثلاثة أيام فقط، رغم أنها كانت تتطلب شهراً كاملاً من العمل المتواصل، وهو ما جعله موضع إعجاب وتقدير كبير من جانب البروفيسور. ويشير أيضاً إلى إشادة أحد أساتذته به في حفل تخرجه في معهد مدراس للتكنولوجيا وقوله له "إنك أفضل طلابي وجهدك سيصبح موضع فخر لأساتذتك في المستقبل". خيبة أمل وبعد ذلك يتحدث عن خيبة أمله في الالتحاق بسلاح الجو الهندي وإخفاقه في تحقيق أمنيته في الطيران التي طالما حلم بها، ولجوئه في ذروة هذا الاكتئاب إلى كاهن هندوسي يدعى "سوامي" ونصحه الأخير بتقبل قدره وضرورة المضي قدماً في الحياة وعدم التفكير كثيرا فيما تعرض، لأن ذلك لا يجلب في النهاية سوى الفشل. ويردف عبدالكلام حديثه بالإشارة إلى توجهه إلى دلهي والتحاقه بوظيفة مهندس مساعد براتب بسيط في الطيران المدني، مشيراًَ إلى أنه لم يكن قادراً على قيادة الطائرات بنفسه، ولكن على الأقل أصبح يساهم في جعلها قابلة للطيران. ويحدد أن بدايته الحقيقية كمبدع في علوم الطيران كانت مع إنشاء مؤسسة تطوير الطيران في بانجلور، حيث كان ضمن الرعيل الأول من المهندسين الذين عملوا في مشروعات المؤسسة في ذلك الوقت، وأنجزوا العديد من تلك المشروعات في أزمنة قياسية، وهو ما أهله بعدها للالتحاق للعمل في اللجنة الهندسية للبحوث الفضائية كمهندس صواريخ، والذي تزامن مع بداية الهند في العمل في مجال الأبحاث الهادفة في مجال الصواريخ، حينها جرت عملية بحث على مكان هادئ وملائم للقيام بهذا المشروع، ووقع الاختيار على كنيسة تقع في قرية تومبا الهندية، تسمى كنيسة "مريم المجدلية" التي أضحت أول مكتب لمركز تومبا للأبحاث الفضائية. والتي لا تزال باقية إلى اليوم مع كل مجدها وتحتضن المتحف الفضائي الهندي، واستمر الحال كذلك حتى سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية ليعمل في وكالة ناسا لأبحاث الفضاء، وتنقل بين عدة مراكز تابعة لناسا، وكانت البداية في مركز لانجلي للأبحاث في ولاية فيرجينيا، ثم انتقل إلى مركز جودارد للطيران الفضائي في ولاية مريلاند، وكانت مهمة الشركة الأخير تطوير وإدارة معظم الأقمار الصناعية لناسا. خبرة كافية بعدها عمل في منشأ والبس للطيران في جزيرة والبس، الواقعة على الساحل الشرقي لولاية فرجينيا وكان المنشأ يمثل مركزاً لقاعدة برنامج صاروخ سبر تابع لوكالة ناسا، ومنه اكتسب عبدالكلام الخبرة الكافية التي مكنته من المشاركة مع أشهر علماء الهند في إطلاق صاروخها الأول في نوفمبر من عام 1963، وذلك بعد عودته من ناسا، فكان إطلاق الصاروخ الذي يحمل اسم "نايكي- ناسا" فخرا واعزازا لجميع العاملين في صناعة الصواريخ في الهند آنذاك. وبعد نجاح هذه التجربة والثقة التي اكتسبها علماء الهند، تطور حلمهم إلى إنجاز أول مركبة هندية لإطلاق الأقمار الصناعية. وبالفعل نشط جميع العلماء العاملين في مركز أبحاث تومبا تحت إشراف البروفيسور سارابهاي قائد البرنامج الفضائي الهندي الذي يصفه عبدالكلام بـ "الحالم العظيم" نظراً لما امتلكه من آمال وأحلام كبرى للهند، نجح في تحقيقها بمشاركة فريق العمل الذي يعمل تحت اشرافه في مركز تومبا، الذي تحول فيما بعد إلى محطة تومبا الاستوائية لإطلاق الصواريخ وتم تأسيسها بالتعاون مع فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. اللحظة الحاسمة ويرجع عبدالكلام الفضل في ظهور هذه المؤسسة الفضائية العملاقة إلى جهود البروفيسور ساربهاي، الذي كان يدرك أن القيام بعمل ضخم مثل ذلك يتطلب تنظيم برنامج فضائي وطني متكامل على المعدات اللازمة لتصنيع الصواريخ وخدمات الاطلاق محلياً، وهو ما أدى بالفعل إلى افتتاح برنامج واسع النطاق فيما بعد في مركز التكنولوجيا والعلوم الفضائية ومختبر الأبحاث الفيزيائية في مدينة أحمد آباد. وكان البرنامج يهدف إلى التطوير التكنولوجي والعلمي في مجال وقود الصواريخ، وأنظمة الدفع، والملاحة الجوية، ومواد الفضاء الجوي، وتقنيات التصنيع الحديثة، وأجهزة محركات الصواريخ، وأنظمة الإرشاد والتحكم، والقياس عن بعد وأنظمة التتبع، والأجهزة العلمية للتجارب في الفضاء. وقد أنجب هذا المختبر عدداً كبيراً من العلماء الهنود ذوي الكفاءات العالية في مجال الفضاء على مر السنين وأسهموا جميعاً في التقدم الذي وصلت إليه الهند في مجال الفضاء. قوى عظمى ومن ثم يستمر عبدالكلام في رحلتنا معه عبر صفحات الكتاب لنتابع التطورات المختلفة في المشروع الفضائي الهندي، والتي توجت باللحظة الحاسمة في 18 يوليو 1980، في الساعة الثامنة والنصف تماما، حيث أقلعت أول مركبة إطلاق أقمار صناعية هندية "SLV-3". وعمّت الفرحة جميع أنحاء الهند، لدخول تلك الدولة المحسوبة على بلدان العالم الثالث إلى نادي الدول التي تمتلك القدرة على إطلاق القمر الصناعي. حيث نشرت الصحف تلك الأخبار على صدر صفحاتها الأولى، وكان في ذلك تحقيقاً لأحلام كثيرة للأمة الهندية، وبداية مرحلة مهمة وجديدة في تاريخ البلاد. وصارت الهند تحتل مكاناً بين الدول المختارة، والتي تصنف نفسها بالقوى العظمى نتيجة جهود عبدالكلام وغيره من أبناء الهند المخلصين، ذوي القدرات الابداعية، وأصبح الشعب الهندي بفضل أبنائه واحداً من الشعوب المتميزة وذات القدرة على التأثير في مجريات الأمور العالمية