أسماء الحسيني، وكالات (القاهرة ، الخرطوم)

بعد ساعات من تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى الخرطوم أمس على رأس وفد رفيع المستوى في إطار وساطة بين المجلس العسكري السوداني وقوى الحرية والتغيير التي تعبر عن الحراك الشعبي. وفور وصوله إلى الخرطوم باشر آبي أحمد وساطته من أجل إعادة الأطراف السودانية إلى التفاوض، وعقد أكثر من لقاء مع وفد من قوى الحرية والتغيير برئاسة عمر الدقير، ومع الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري السوداني، وطرح مقترحات محددة للطرفين من أجل حل الأزمة. وبعد لقاءاته المكوكية، دعا رئيس الوزراء الإثيوبي إلى انتقال «ديمقراطي سريع» في السودان، لافتاً إلى أن المحادثات اتسمت بـ«المسؤولية العالية والوعي بخطورة المرحلة».
وقالت مصادر إثيوبية لـ«الاتحاد» إن وساطة أحمد مدعومة أفريقيا ودولياً، وأنها مرتبطة بتحركات الاتحاد الأفريقي تجاه السودان، وأنها تستلزم خلق بيئة مناسبة من أجل استئناف الحوار بين الجانبين. واستغرق اجتماع أحمد مع المجلس العسكري 40 دقيقة، ولم يحضره نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو حميدتى، بينما استغرق اجتماعه مع قوى الحرية والتغيير ساعتين وخمسين دقيقة. وقالت مصادر مطلعة، إن مهمة آبي أحمد في الخرطوم صعبة، وأن الوساطة التي يقوم بها تأتي بعد شرخ عميق، وتواجه تحديات متعددة. وأضافت أن آبي أحمد أكد لها رغبة المجلس العسكري في العودة للمفاوضات من حيث انتهت، ولكن قوى التغيير أكدت لرئيس الوزراء الإثيوبي رفضها العودة لطاولة المفاوضات، وأنها لن تجلس مع المجلس العسكري إلا للتسليم والتسلم، لسلطة مدنية كاملة، واشترطت محاسبة المسؤولين عن فض الاعتصام. وقالت مصادر مطلعة إن أحمد عرض تشكيل مجلس سيادة بأغلبية مدنية من ثمانية مدنيين وسبعة عسكريين، ورئاسة دورية بينهما، ولكن قوى التغيير تتجه لرفض المقترح.
وقالت مصادر: «رغم ما يتمتع به آبي أحمد من احترام في الشارع السوداني، ولكن هناك انعدام تام للثقة بين الطرفين بعد التصعيد الأخير».
وقال محجوب حسين مستشار رئيس حركة العدل والمساواة إن الاحتقان بين المجلس العسكري وقوى التغيير يؤكد أهمية دور الوساطة الإثيوبية التي تأتي في وقت حساس ودقيق، وبالتالي نتطلع إلى دور مهم لمنظمة الإيجاد التي تدعم الوساطة في حل أزمة السودان الحادة التي وصلت إلى مفترق طرق، وقد لا تسلم فيها البلد كلها من الحرائق، إن تقاطعت أجندات أطراف فرقاء الأزمة. وأضاف حسين: إن وفد قوى التغيير أبلغ أحمد أن المجلس عليه تسليم السلطة إلى المدنيين لتأسيس المرحلة الانتقالية، ونأمل أن يقنع أحمد المجلس بذلك.
وقال صالح منصور القيادي بحركة تحرير السودان عن اعتقاده بأن آبي أحمد جاء إلى الخرطوم لينصح المجلس العسكري التخلي عن مواقفه والاستماع لصوت العقل.
أما الأكاديمي والمحلل السياسي أحمد حسين آدم فيرى أن زيارة أحمد للخرطوم لا تهدف لإنقاذ المجلس العسكري، وأن أحمد الذي يقدم نفسه كوجه وقائد أفريقي جديد واعد وكمصلح ديمقراطي وقائد ضامن لاستقرار القرن الأفريقي وأفريقيا ومعبر عن تطلعات الشعوب، واستناداً لذلك لا يمكن أن ينحاز لطرف ما، كما أن أحمد جاء محصناً ومتسلحاً بقرار مجلس الأمن والسلم الأفريقي وغالباً بسند غربى لإيصال رسالة قوية لتسليم السلطة إلى المدنيين وإجراء تحقيق دولي في أحداث فض الاعتصام بالقوة، ويرى أحمد حسين آدم أن زيارة آبي أحمد فرصة يجب أن تستغل بشكل يحقق مصلحة الشعب السوداني.
وقالت مصادر بالاتحاد الأفريقي لـ«الاتحاد» إن زيارة آبي أحمد استكشافية، وتريد إيصال رسالة للمجلس العسكري، بأن قرار الاتحاد الأفريقي لا يعني عدم التعاطي مع المجلس لإيجاد مخرج للأزمة. وقال مراقبون: إن الوساطة لن تنجح من دون دعم القوى الغربية، وكذلك لن تنجح لو كان سقفها أقل من سلطة مدنية. وأعرب هؤلاء المراقبون عن مخاوفهم من أن أي مفاوضات في هذه الظروف ستشق قوى الحرية والتغيير.
وفي وقت لاحق، دعا رئيس الوزراء الإثيوبي إلى انتقال «ديمقراطي سريع» في السودان، لافتاً إلى أن المحادثات اتسمت بـ«المسؤولية العالية والوعي بخطورة المرحلة».
وقال آبي أحمد في بيان: «يجب أن يتحلى الجيش والشعب والقوى السياسية بالشجاعة والمسؤولية، باتخاذ خطوات سريعة نحو فترة انتقالية ديمقراطية وتوافقية في البلد». وطالب أحمد «كافة الأطراف في السودان بالسير سريعاً نحو اتفاق يؤسس لمرحلة انتقالية ديمقراطية»، مضيفاً أنه «على الجيش السوداني والقوى السياسية الابتعاد عن الاتهامات». وأضاف: «واجب الجيش السوداني والمنظومة الأمنية كلها هو أن تركز جهودها للدفاع عن حرمة الوطن وسيادته وأمن المواطنين وممتلكاتهم، كما أن وأجب القوى السياسية هو أن تركز على مصير البلاد في المستقبل، وليس أن تبقى رهينة العقبات ومعوقات الماضي البائدة». وتابع: «على الشعب السوداني أن يتحلى بالشجاعة المعهودة لديه وبالشرف والعزة، وهي قيمة ثابتة في تاريخه المجيد من أجل يظل الجيش والشعب والقوى السياسية مركزين جهودهم على مستقبل الأمة».
واستطرد رئيس الوزراء الإثيوبي حديثه قائلاً: «في هذا الصدد، فإن الفاعلين السياسيين السودانيين مطالبون باتخاذ قراراتهم بشأن مصيرهم الوطني في استقلالية تامة، بعيداً عن أي طرف غير سوداني». وتعليقاً على المحادثات التي أجراها مع المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، قال أحمد، إن المحادثات اتسمت بـ«المسؤولية العالية والوعي بخطورة المرحلة». كما شدد على أن «وحدة واستقرار وسيادة السودان يجب أن تبقى هدفاً مقدساً لا مساومة فيه على الإطلاق».
وأكد أحمد أن «الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية البنيوية يجب أن تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام، بما يتطلب ذلك من تنظيم وتخطيط استراتيجي ومنهجي»، معتبراً أن «اعتماد نهج جديد للحكامة الرشيدة في البلد، هو تطلع مشروع لا غنى عنه لنهضة السودان الجديد». واختتم رئيس وزراء إثيوبيا حديثه، بالتأكيد على أنه «مهما تكن الظروف فإن جمهورية إثيوبيا الفدرالية ستظل واقفة بحزم وتصميم إلى جانب السودان الشقيق، بكل ما أوتيت من قوة وإرادة وإيمان».

شروط «الحراك» لقبول الوساطة
أعلنت قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان، أمس الجمعة، ترحيبها بالوساطة التي يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بينها وبين المجلس العسكري الانتقالي، «وفقاً لشروط معينة». واشترطت المعارضة «أن يتحمل المجلس العسكري الانتقالي مسؤولية فض اعتصام القيادة» الاثنين الماضي، الذي أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، بالإضافة إلى «إجراء تحقيق دولي في الواقعة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين». وطالبت «الحرية والتغيير» أيضاً بـ«إتاحة الحريات العامة وحرية الإعلام، ورفع الحصار المفروض على الشعب السوداني بسحب المظاهر العسكرية من الشوارع، ورفع الحظر عن خدمة الإنترنت، قبل الحديث عن أي آفاق للعملية السياسية».

احتجاز قيادي في الحراك بعد اجتماع آبي
قالت مصادر في تحالف قوى الحرية والتغيير المعارض في السودان إن قوات الأمن احتجزت أحد قادته أمس الجمعة بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء الإثيوبي الذي يزور الخرطوم للتوسط في حل الأزمة السياسية في البلاد. وكان محمد عصمت ضمن وفد تحالف المعارضة الرئيسي الذي أجرى محادثات مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.