خطايا في الأزقة العفنة!
منذ زمن ليس بالبعيد كنت فتاة ذات قلب غض لم يختبر الحب، وإنما كنت أخبئ كل مخزوني من المشاعر لشخص واحد ارتضيته زوجاً لي، ولقلة خبرتي كأي فتاة منحت هذا المخزون للشخص الخطأ·
طبعاً رأيته وقتها فارساً لأحلامي، وبرغم معارضة أهلي تشبثت به، وبدأت بتنفيذ ما علمتني إياه الأفلام العربية أن أحارب الدنيا لأصل إلى حبيبي، كنت وما أزال أملك قلب مراهقة برغم أنني تجاوزت العشرين·
وقررت أن أخوض التجربة لأتعلم؛ وانقلبت لديّ كل القيم، وتكوّن لديّ انطباع بأنني طرقت باب الحلال؛ لذلك لا عتب عليّ إن أنا سلكت طرقاً ملتوية للقاء من أحبه قلبي حتى ولو اختبأنا في سيارة أو شقته·
في فترة قصيرة لم أعد أعرف نفسي، أصبحت أفكر بطريقة غريبة لم أعهدها من عقلي الرزين سابقاً، ورويداً رويداً فقدت كل الصلات مع نفسي، وأصبحت كمن يتابع فيلماً على التلفاز ينفعل مع الأحداث ولكنه ليس طرفاً فيها وليس لديه القدرة على تغيير مجراها·
مضيت في طريقي الوعر لكني لم أقع في الزنا مع أنني لا أنفي عن نفسي الخطيئة، فمقدمات الزنا لا تختلف عن فعله كثيراً، وبالنهاية نيتي كانت سيئة؛ ولذلك أعتبر نفسي ارتكبت أكبر خطيئة في الوجود·
والمشكلة أنني لا أستطيع إلقاء اللوم على الشاب الذي أحببته، فقد أتى تائباً بعد أول قبلة لنا، واعتذر، وطلب مني أن نتوقف عن اللقاء حتى لا يستغلني، لكنني بكل جرأة أخبرته بأنني رغبت فيما فعلنا ولم يجبرني هو على شيء، بل لا أبالغ إن قلت إنني أغويته في كل مرة كنا فيها معاً، وجعلته يظن أنه البادئ والمسيطر، في حين كنت أنا أتحكم بمهارة مراهقة بكل الخيوط وأديره كيفما أشاء·
عندما أتذكر كل هذا أشعر بأنني أتحدث عن شخص آخر لا يمت لي بصلة، فأنا في نظر نفسي قبل أن يسقط القناع وأرى شخصيتي الحقيقية ذات الوجه البشع من خلال علاقتي بذاك الشاب·
ما زال للقصة بقية·· فقد وافق أهلي على زواجنا وتمت الخطبة، وسرعان ما اكتشفنا معاً أن الحب الذي عاش في الأزقة العفنة احترق عندما واجه نور الشمس، وأن الاحترام وقود الحب، ولم يعد لدينا ما يربطنا فافترقنا·
بعد الفراق استيقظت فجأة، وشعرت بالصدمة الشديدة من أفعالي، فلم أتخيل أنني ارتكبت كل تلك الخطايا، وأصبحت أشمئز من نفسي، وكلما نظرت في المرآة أسأم من النظر إلى وجهي، حبست نفسي طويلاً وبكيت طويلاً؛ فقد كنت مصدومة في أقرب الناس لي·· ''أنا''·
من شدة كرهي لنفسي كنت أحياناً أضرب نفسي؛ كأن أضرب رأسي بالجدار، أو أصفع نفسي أمام المرآة، وأضرب أقدامي، حتى أنني حاولت مرة كسر رجلي ولكني لم أفلح، فضلاً عن شتمي لنفسي بأقبح النعوت وإحساسي بأني حقيرة ولا أستحق الحياة·
حاولت الانتحار، ولكن بقية من إيمان منعتني، ويبدو أنني كنت أعاني من الاكتئاب، خصوصاً أنه كانت تنتابني حالات ضحك هستيري ثم بكاء هستيري يمتد لساعات قد تتجاوز الثلاث ساعات من البكاء المتواصل·
عشت في عذاب رهيب ظنه الجميع رد فعل على فقدان حبي، لكنه كان في الحقيقة نتاج صدمتي في أخلاقي، بت لا أثق في نفسي، وأخاف الاقتراب من أي شاب حتى لا أغويه؛ حيث أصبحت أنظر لنفسي عى أنني جرثومة متنقلة، ويجب حجرها عن باقي البشر حتى لا تؤذيهم·
شعرت بالشفقة على أهلي، فما ذنبهم حتى أطعنهم في ظهرهم وأخون ثقتهم؟
وفي غمرة كل هذه المشاعر الغاضبة والإحساس بالدونية اقتربت من الله، استغفرته وتبت إليه سبحانه وتعالى، وتحدثت معه في الوقت الذي لم أجد غيره ليسمعني، بحت بألمي وشكواي وخوفي من عقابه، تضرعت إليه ليرحمني، وبدأت بالإحساس بالهدوء والتصالح مع نفسي، كما عدت نوعاً ما اجتماعية ومحبوبة كما كنت، وبدأت أضع الماضي جانباً وأنطلق مرة أخرى للحياة·
ومما عزز في نفسي فكرة أن الله راض عني أنه بعث لي شاباً رائعاً أصبح الآن زوجي، وهو أكبر نعمة أنعم الله بها عليّ· ورغم أنني أحياناً أحس بأني لا أستحق كل هذه النعم، وأحس بتأنيب الضمير، فإنني أحس بأنني تخلصت من آلام الماضي وتقبلت فكرة أن كل بني آدم خطاؤون·
هذه المشكلة جعلتني أصدم عندما رأيت نفسي في خانة الأشرار، الآن أصبحت المنطقة الوسطى ولم أعد أصنف الناس، ففي كل إنسان شيء جيد مهما ارتكب من شرور وخطايا·
لا وجود للخير المطلق ولا وجود للشر المطلق، هذا ما تعلمته وأود تعليمه لأبنائي، لكن: كيف·· كيف أعلم أبنائي التعامل مع أخطائهم وحماية أنفسهم من الوقوع في أخطاء أكبر؟ فأنا لم يعلمني أحد، كيف أحمي نفسي من شرور نفسي؟ ولم تكن أمي قريبة مني لتنصحني، كنت وحيدة ولا أريد لأبنائي هذا المصير