محمد عبد السميع (الشارقة)

قبة خزفية ذات ثقوب يعلوها تمثال على شكل ثور.. أثر موجود في متحف الشارقة للآثار، يكشف تاريخ سكان منطقة مويلح قبل ما يقرب من ثلاثة آلاف عام، حيث وجدته بعثة أسترالية أواسط تسعينيات القرن العشرين، وعلى مدى مواسم عدة من التنقيب قامت بها هذه البعثة، تلتها أخرى أميركية اكتشف الباحثون أن هذا الموقع كان يضم مستوطنة سكنية كبيرة مسورة بسور من «اللبن» تعود للألف الأول قبل الميلاد.
تأكد للباحثين وجود أجزاء من المنازل التي بُنيت باللبِن إضافةً إلى مبنى إداري يضم قاعةَ كبيرةً بداخلها عدد من الأعمدة لرفع السقف، كما ألحقت بهذه القاعة غرف أصغر استخدمت على ما يبدو لخدمة الأغراض التي أقيمت من أجلها تلك القاعة.
يقول خالد حسين، منسق عام البحوث في متحف الشارقة للآثار: «التنقيبات في القاعة والغرف المجاورة لها، كشفت عدة أسرار من حيث البناء، إذ أن القاعات ذات الأعمدة وجدت في مواقع أخرى بدولة الإمارات، وتعود للفترة الزمنية نفسها، كما في الرميلة، وبدع بنت سعود بالعين»، موضحاً «على سبيل المثال تم العثور في هذه القاعة بمويلح على جرة تُعد الأضخم حتى الآن في الإمارات، يبلغ ارتفاعها 155 سم، وقطرها 165 سم، كما وجدت في إحدى الغرف المجاورة للقاعة العشرات من الجرار الفخارية الصغيرة ذات المصبات».
ويوضح حسين «أن من بين القطع المميزة هذا الغطاء الخزفي الذي يعلوه تمثال الثور الذي ربما يكون غطاءً لمبخرة»، حيث شهدت تجارة البخور واللبان ازدهاراً ملحوظاً في الألف الأول قبل الميلاد، وظهرت عدة ممالك في جنوب الجزيرة العربية احتكرت إنتاج هذه المنتجات العطرية، إضافةً للمنتجات القادمة من الهند وشرق افريقيا، وكانت تقوم بتصديرها إلى مصر، وبلاد الرافدين، وفارس، مستفيدةً من قوافل الجمال التي كانت تعبر الجزيرة العربية من جنوبها إلى شمالها وشرقها.
ويشير حسين إلى أنه بالنظر إلى اكتشاف نص بخط المسند الجنوبي في موقع مويلح، وكذلك دليل على استخدام البخور متمثل في هذه القبة الخزفية في مويلح، فربما كان الموقع واقعاً على طرق القوافل التجارية القادمة من جنوب الجزيرة العربية إلى ساحل الخليج، لتصدر جزءاً من إنتاجها إلى بلاد فارس وبلاد الرافدين.
ويضيف منسق عام البحوث في متحف الشارقة للآثار أن هذه القبة الخزفية يمكن أن تكون جانباً من الطقوس أو الممارسات التي قام بها سكان موقع مويلح في تلك الفترة، من حرق للبخور واللبان، حيث وجدت بداخلها آثار للحرق، وقد يكون ذلك جزءاً من طقوس خاصة يلمح إليها وجود الثور أعلى القبة، والذي يتكرر ظهوره في الزخارف والتماثيل التي ترتبط بمعتقدات خاصة، وتصورات حول الخصوبة والنفوذ، كما يحل أحياناً كرمز لبعض المعبودات الوثنية.
ويرى خالد حسين أن وضع القبة على المباخر وترك ثقوب، خاصة يمر البخور من خلالها للأعلى، ومن بينها ثقب رئيس تحت الثور مباشرةً، دليل على ارتباط حرق البخور بممارسات معينة، كما أن وجودها في القاعة مع عدد كبير من الجرار الصغيرة ذات المصبات يدل على حفلات، أو مآدب تكريم، أو ضيافة كان يحضرها عدد كبير من الأشخاص، التي كانت بلا شك مكان اجتماع النخبة من الطبقة الحاكمة، وكذلك التجار مع ضيوفهم من التجار والأعيان القادمين بقوافلهم التجارية إلى مويلح قبل ثلاثة آلاف عام.