أحمد السعداوي (أبوظبي)

البرقع الإماراتي، واحد من الرموز التراثية المهمة التي يكثر الحنين إليها في العصر الحالي، خاصة في ظل تمسك سيدات الزمن الجميل بأحد مظاهر الاحتشام التي رافقت المرأة الإماراتية عبر الزمن، وإلى الآن لا زالت الكثيرات متمسكات به وحريصات على ارتدائه في مختلف المناسبات الاجتماعية ومنها عيد الفطر السعيد. و«البرجع» صديق الأمهات والجدات ويعتززن به كجزء أساسي من ملابسهن، يحاولن غرس هذا الاعتزاز في الأجيال الجديدة، التي أضفت بصمتها الحداثية على المواصفات التقليدية.

«خرّة الخشم»
الباحثة في التراث والإعلامية شيخة محمد الجابري، تقول إن البرقع النسائي الإماراتي هو أحد أشهر أنواع وأشكال البراجع أو البراقع المعروفة في الخليج وذلك بسبب القصّة الخاصة به، و«خرّة الخشم» ونوع المواد المصنوع منها، وهو أحد مظاهر الاحتشام والزينة حيث تفنن الشعراء في وصفه والنساء في ارتدائه.
وبرعت النساء قديماً وإلى وقت قريب أيضاً في حرفة «تقرّيض البراجع»، وكانت بعضهن لبراعتها في التّقرّيض تشتهر قصّة البرقع باسمها كأن يقال هذا قرض فلانة وذاك قرض علانة، ويتكون البرقع بعد قصّه من أجزاء كثيرة أهمها الجبهة وهي الخط المستقيم الذي يقع في بداية البرقع من أعلى والذي يقطعه (السيف)، وهو عبارة عن عصا مصنوعة من عذق النخيل أو جريدة تهذّب جيداً، وتدخل من منتصف الجبهة إلى آخر البرقع ويكون موقعها في منتصف البرقع حيث تقسمه إلى قسمين متساويين، ثم عيون البرقع الخاصة وهي الفتحات الخاصة بالعينين، (والخَرّهْ) وهي الانحناءات النازلة والممتدة من الجبهة وحتى آخر فتحة العين من الجانبين.

ألوان متعددة
وعن المواد التي يصنع منها البرقع بحسب الجابري، القماش المعروف بالشّيَل ويتميز بألوانه المتعددة الأصفر والأخضر والفضي والأحمر والبنفسجي والأسود، وكان لتلك الأقمشة بأنواعها المختلفة أثر مباشر على بشرة المرأة؛ إذ تضيف إليها لمعاناً وبريقاً يمنعها من خلع البرقع حتى تخلد إلى النوم. وهناك أيضاً خد البرقع وهو القطعة التي تغطي الوجه وتكون كبيرة أو صغيرة حسب طلب المرأة، وأخيراً (الشّبوق) وهي الخيوط التي تثبّت على طرفي البرقع من جِهتيه اليمنى واليسرى، وتصنع الخيوط من البلاستيك، أو خيوط الزّري الملونة أو الصوف.
كانت أسعار بيع البراقع قديماً لا تتعدى الدرهم الوحد بعملة اليوم، وأحياناً تصنعه النساء لأنفسهن ولا يلجأن للشراء ما دمنَ يُتقنّ التفاصيل الخاصة بصناعته، أما اليوم فسعره يتراوح بين عشرة و50 درهماً و120 درهماً.
ومع ما شهدته الدولة من نمو سريع وتطور كبير، تبدلت الأحوال وتغيرت مظاهر الحياة الاجتماعية وأشكال ومفردات التراث ومنها «البراجع» أو البراقع، فقد تغير شكله وأصبح ارتداؤه مقتصراً على السيدات الكبيرات بالسن.

تعاقب الأجيال
وتذكر الجابري، أنه بمرور الوقت والأعوام وتعاقب الأجيال، وطفرة التعليم، وتعدد المهن، وارتفاع نسبة النساء العاملات ومتطلبات السفر، سواء للعلم أو تمثيل الدولة أو السياحة، انحسر الاهتمام بالبرقع وكذلك الغشوة التي تضفي عليه جمالا ً وهيبة ورقة في ذات الوقت، ولم يعد مظهراً يميز الإماراتية كما كان في السابق، وقد استعاضت بعض النساء عنه بالنقاب وهو ليس من الموروث الاجتماعي الإماراتي، وأصبح البرقع صديق الأمهات والجدات من سيدات الزمن الجميل.

حياء وحشمة
من ناحيتها تقول المصممة الإماراتية عائشة الشامسي، إن البرقع يعتبر أحد الرموز التقليدية التي تعكس غيرة الرجل الإماراتي وحياء وحشمة المرأة الإماراتية منذ القدم، كما تعد صناعة البرقع حرفة تقليدية ومصدراً للرزق توارثته النساء جيلاً بعد جيل باختلاف سعرة وجودته، حسب المستوى المادي للمرأة، فالأحمر الأغلى ثمناً للنساء الثريات، يليه الأصفر، ثم الأخضر والذي يعد الأقل ثمناً وأقل جودة.
وتميز البرقع القديم والذي كان يصنع من القماش الذي يمتص العرق والمستورد من الهند بكبر حجمه ليستر أكبر قدر ممكن من الوجه، والذي تميز بكبر فتحة العين ليضمن راحة المرأة، حيث اعتادت النساء ارتداءه طوال اليوم.

حجم البرقع
وتبين الشامسي أنه كان يختلف شكل برقع المرأة المتزوجة عن العزباء، أما في الوقت الحاضر فأصبح البرقع أُكسسواراً وتقلص حجم البراقع التي ترتديها الشابات، حيث تم تصغير فتحة العين والتفنن بأشكاله حسب رسمة الكحل، وتزامناً مع التغيرات التي طرأت على صناعة البرقع واكبت محلات المجوهرات رغبة بعض السيدات واعتزازهن بالتراث الإماراتي بتوفير البراقع المصنوعة من الذهب والألماس والأحجار الكريمة، في حين قام البعض بالاستغناء عنه بلبس النقاب المريح أو الخمار المصنوع من نفس قماش الشيلة التي ترتديها المرأة لتغطية شعرها لضمان راحتها بشكل محتشم، بالذات المرأة العاملة والتي تسعى لتمثيل المرأة الإماراتية المحتشمة، في حين يرغب البعض بارتداء النقاب الذي يبرز جمال العين والذي تنوعت أسماؤه كنقاب عين الصقر ونقاب عين الشاهين.