إذا ما أخذنا في اعتبارنا، الجدل الذي دار حول حرب العراق، وما تسبب فيه من انقسام، فإننا سندرك أن إنجازات استراتيجية ضخ أعداد إضافية من القوات الأميركية هناك، كان من المحتم أن تتوارى في النهاية خلف ''الضباب'' الإعلامي الذي تخلقه التصريحات المتضاربة للقادة والمسؤولين· ولكي نعرف مدى التشويش والتضليل اللذين خلقتهما مثل تلك التصريحات، علينا أن ندرك، بادئ ذي بدء، أن استراتيجية ضخ مزيد من القوات في العراق، لم تكن مجرد تعزيز للقوات الموجودة هناك بالفعل، وإنما كانت تمثل من حيث الجوهر، تغييراً في الطريقة التي يتم بها حشد القوات في ذلك البلد، اعتباراً من فبراير عام 2007 على وجه التحديد· وهذا التغيير تمثل في الأوامر الجديدة التي أصدرها الجنرال ''ديفيد بترايوس'' في التاريخ المذكور بنشر تلك القوات الإضافية، جنباً إلى جنب مع القوات العراقية المتمركزة في الأحياء والمناطق السكنية من أجل حماية المدنيين· ومن المؤكد أن هناك وحدات كانت تنفذ إجراءات فعالة لمقاومة التمرد قبل تبني الاستراتيجية الجديدة، إلا أنه يمكن القول بشكل عام، إن النهج الذي كانت تسير عليه قوات التحالف قبل ،2007 والذي كان يتركز في الأساس على تحويل المسؤوليات الأمنية بسرعة إلى القوات العراقية، لم يحقق نجاحاً يذكر بسبب عجز تلك القوات بمفردها عن إيقاف انتشار العنف الطائفي الذي احتدم في ذلك الوقت· وبحلول خريف ،2006 أصبح من الواضح أن تلك الاستراتيجية كانت تمنى بالفشل، وهو ما أكده التقرير الجريء الذي أعده الجنرال ''جورج كيسي'' والسفير الأميركي ''زلماي خليل زاد'' ضمن ما يعرف بالمراجعة العامة لـ''خطة الحملة المشتركة''· ولكن وصول قوات إضافية إلى العراق كان يمثل من ناحية أخرى دليلاً على عزم متجدد· فقادة السُّنة الذين تمكنوا من استشراف المستقبل المدلهم، الذي ستعيش فيه طائفتهم تحت نظام يقوده عناصر ''القاعدة في بلاد الرافدين''، والذين كانوا يخشون في ذلك الوقت من خطر التعرض للإهمال، أبدوا استعداداً للرهان على التحالف· ولم تكن استراتيجية زيادة عدد القوات، هي التي خلقت ''الصحوات'' العشائرية الأولى، ولكنها كانت من دون شك هي العنصر المساعد لتوسعها ونجاحها في النهاية، فالهبَّة العشائرية للتحرر من ''القاعدة''، لم تبدأ سوى بعد وصول التعزيزات الجديدة، وبعدما قاتلت القوات الأميركية جنباً إلى جنب مع القوات العراقية من أجل توفير الأمن للشعب العراقي· وبمرور الوقت، وفي المناطق التي لم تكن فيها قوات أميركية كافية لتوفير الأمن، أبرم القادة العسكريون الأميركيون اتفاقات مع بعض القبائل السُّنية (والشيعية أحياناً) التي تطوعت من أجل التصدي لتنظيم ''القاعدة في بلاد الرافدين''· وهذه التفاهمات التي تضمنت دعماً من قبل الأميركيين لقادة العشائر العراقية، أتاح لهؤلاء الزعماء القدرة على الإنفاق على عائلاتهم، إلى أن يحين الوقت الذي يتحسن فيه اقتصادهم، والخدمات الحكومية المقدمة لهم· وعندما أقامت الوحدات الأميركية، مراكز استطلاع متقدمة أصغر حجماً، وتمكنت من تدمير ملاذات ''القاعدة''، ازدادت المنطقة الواقعة تحت سيطرة القوات العراقية وقوات التحالف واتسعت، مما أدى بدوره إلى تحسن مستوى الأمن على نحو جذري، خصوصاً مع استكمال وصول القوات الإضافية إلى العراق، وقيام تلك القوات بشن سلسلة متواصلة من العمليات ضد المتمردين لطردهم من الملاذات التي احتموا بها طويلاً· وكان من المحتم على ضوء ذلك، أن يؤدي التحسن في مستوى الأمن إلى زيادة ثقة العراقيين في أنفسهم من ناحية، وإلى تقليص درجة قبول الميليشيات الشيعية التي تمتعت طويلاً بقدر كبير من النفوذ في العديد من المناطق والأحياء· وعندما أشعلت ميليشيات ''جيش المهدي'' معركة بالمدافع في مدينــة كربلاء في أغسطس، وتسبب ذلك في إلغاء مناسبة دينية شيعية كبيرة، أجبر الغضب والضغط الشعبيان مقتدى الصدر على إعلان وقف لإطلاق النار من جانب واحد· وبدون التحســـن الأمني الناشئ عن استراتيجيــة ضخ أعداد إضافية من القوات، لم يكن من الممكن لوقف إطلاق النار هذا أن يعلن، أو أن يتم الالتزام بــه· لكن الزيادة في أعداد القوات الأميركية في العراق تتضاءل إلى جانب الزيادة التي تمت على نحو متزامن في القوات العراقية، التي تجاوزت 140 ألف جندي· فبمرور الوقت، أصبحت الوحدات العراقية أكثر كفاءة، وأكثر قدرة على تسلم زمام القيادة في توفير الأمن، يدعمها في ذلك مستشارون، وقوات برية، وإسناد استخباراتي وجوي من قبل التحالف· وقد أظهرت المعارك التي جرت في الربيع الماضي في البصرة وبغداد والموصل وغيرها من المدن العراقية، الكفاءة المتنامية للجيش العراقي· وبدون التغير في الاستراتيجية، والقوات الإضافية التي توفرت نتيجة لاستراتيجية ضخ قوات إضافية، فإن الجهد اللازم لتحسين قدرات القوات العراقية كان سيولد ميتاً، أو يتعرض للابتلاع من جانب العنف الطائفي الذي أخذ يمزق العراق بحلول نهاية عام ·2006 والحال أن حرب العراق لم تنتهِ بعد، ولكن ما لاشك فيه هو أن مجهودنا الحربي قد أصبح يقف على أرضية أكثر صلابة وثباتاً· ففي نهاية المطاف سيقوم العراقيون -وهو الشيء المنطقي- بتقرير مستقبلهم بأنفسهم خصوصاً بعدما وفرت استراتيجية زيادة عدد القوات المساحة والزمن اللازمين اللذين يمكن أن يدور في نطاقهما التنافس من أجل السلطة والموارد في الفضاء السياسي العراقي بالكلمات والحوار، وليس بالقنابل والعنف· والنجاح، بطبيعة الحال، ليس مضموناً بالطبع، بيد أن تلك المحصلة في حد ذاتها ستكون بمثابة تكريم مناسب لجنود القوات متعددة الجنسيات، وجنود القوات العراقية، رجالاً ونساء ممن ضحوا بحياتهم على أرض العراق· كما أنه سيكون أيضاً بمثابة تحية للجهود المستمرة التي ما زال هؤلاء الجنود يبذلونها بالتعاون مع شركائهم العراقيين، لتحويل مسار حرب، كنا قاب قوسين أو أدنى من خسارتها منذ أقل من عامين فقط· بيتر منصور أستاذ كرسي التاريخ العسكري في جامعة ولاية أوهايو ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست