أحمد مراد (القاهرة)

وصف بـ «الفتى الصالح»، كان عالماً ورعاً تقياً، شديد التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإتباع نهجه وسلوكه.
هو عبد الله ابن الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وأخو أم المؤمنين السيدة حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم قبل أبيه، وكان طفلاً صغيراً لا يتجاوز عمره عشرة أعوام.
عندما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى الهجرة من مكة إلى المدينة بعد اشتداد أذى المشركين بالمؤمنين، كان عبد الله بن عمر في طليعة الذين استجابوا لداعي الهجرة، وقد سبق أباه - وكان حينها قد أسلم - ووصل إلى المدينة المنورة، وكان عمره وقتها لا يتجاوز الثانية عشرة، وقد واجه العديد من الصعاب والكثير من المشقة حتى يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم.
في المدينة صاحب عبد الله بن عمر، النبي صلى الله عليه وسلم مع غيره من فتيان المهاجرين والأنصار، وكان مجلس النبي يجمع بين صغار وكبار الصحابة، وأقبل عبد الله على سماع توجيهات النبوة وإرشاداتها، وكان شديد الحرص على إتباعها.
عندما لاحت في الأفق بوادر أول معركة يخوضها المسلمون دفاعاً عن دينهم، اشتاقت نفس عبد الله للمشاركة في الجهاد في سبيل الله، ورفع راية الإسلام، فقبل أيام من غزوة بدر اصطف برفقة بعض أقرانه الصغار وسط صفوف المجاهدين، الأمر الذي أدهش كبار الصحابة، ولم يملك النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يرد هؤلاء الصبية الصغار، ومن بينهم عبد الله بن عمر لصغر أعمارهم، ووعدهم بالمشاركة في الجهاد في المرات القادمة حينما يشتد عودهم.
وتكرر الأمر في غزوة أحد، حيث عرض عبد الله بن عمر نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم راجياً أن يجيزه للقتال في صفوف المجاهدين، ولكن عوده لم يكن قد اشتد بعد فرده النبي خوفا عليه.
مرت الأيام واشتد عود عبد الله بن عمر، وقد أجازه النبي للقتال، وشارك في غزوة الخندق، وغزوة مؤته مع جعفر بن أبي طالب.
عُرف عبد الله بن عمر بشدة إتباعه لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ينزل منازله، ويصلي في كل مكان صلى فيه النبي، وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة، فكان عبد الله بن عمر يتعاهدها بالماء حتى لا تيبس.
كان عبدالله بن عمر - على صغر سنه - كثير الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويعد من أكثر الصحابة الذين رووا الأحاديث، منها أنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ببعض جسدي وقال: «يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك في أهل القبور».
قال عبد الله: رأيت في المنام كأنما بيدي قطعة استبرق، ولا أشير بها إلى موضع من الجنة إلا طارت بي إليه، فقصصتها على أختي أم المؤمنين حفصة فقصتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: «إن أخاك رجل صالح»، وفي رواية أخرى: «إن عبد الله رجل صالح».
شارك عبد الله بن عمر في الفتوحات الإسلامية، فشهد اليرموك وفتح مصر وإفريقية، وعاش يعلّم الناس أمور دينهم فالتفت حوله الأفئدة وامتلك العقول. توفى عبد الله بن عمر سنة 73 هجرية.