الكراهية تسمم أجواء مدينة الخليل
أطلق بائع العصير الفلسطيني نبيل طه السباب بعد أن منعه جندي إسرائيلي من إدخال عربته يدوية الدفع إلى سوق مدينة الخليل المغطى القديم· وقال غاضباً لمراقبين أوروبيين طلباً من الجندي أن يفسر سبب قراره ''عشرون عربة تمر عبر هذا الحاجز، ولكنه يريد فقط افتعال مشكلة معي''، ورد الجندي ''ممنوع··· يستطيع أن يحمل أشياءه إلى السوق، لكن عليه أن يترك عربة اليد''·
ووقع ذلك التراشق قرب الحرم الإبراهيمي المقدس لدى المسلمين والمسيحيين واليهود وعكس، رغم بساطته، التوتر الناجم عن وجود 650 مستوطناً يهودياً في مستوطنات محصنة يحرسها جنود إسرائيليون وسط المدينة الواقعة في الضفة الغربية المحتلة والبالغ عدد سكانها 180 ألف نسمة· وكثيراً ما تتطور احتكاكات مماثلة إلى أعمال عنف مما يجعل الخليل ''بوتقة كراهية'' في الصراع الفلسطيني- الإسرائيليي·
وإحدى المستوطنات مقامة فوق منطقة مكتظة بالأزقة في المدينة القديمة وتطل على شارع ضيق مباشرة· وعبر شبكة سلك شائك تفصلها عن الشارع، يلقي المستوطنون الطوب والزجاج والقمامة على الفلسطينيين فيما يشكون من ''الاعتداء عليهم باستمرار''· وقال فينسنت باسكييه الباحث بعثة ''الوجود الدولي المؤقت في الخليل'' الأوروبية المنتشرة هناك للمراقبة منذ عام ،1994 ''إن إسرائيل نادراً ما تتحرك حين يشكو فلسطينيون من عنف المستوطنين وما ينقص تماماً هو عزيمة ثابتة للتحرك ضدهم بالاحتجاز والمحاكمة''· وأظهر أحدث إحصاء أجرته البعثة المكونة أن السلطات الإسرائيلية أغلقت طرق الخليل في 120 نقطة· وتابع ''إنها مدينة أشباح''، مشيراً إلى شارع مهجور، حيث كان باعة الذهب ذات يوم يمارسون تجارتهم والآن تنمو الأعشاب إلى ارتفاع متر بين صفوف المتاجر المغلقة·
وكتب مستوطنون شعار ''اقتلوا العرب بالغاز'' باللغة الإنجليزية على باب منزل في المدينة القديمة، حيث يواجه 30 ألف فلسطيني نقاط التفتيش التابعة للجيش الإسرائيلي ونقاط المراقبة والشوارع المسدودة مما يعطل الحياة اليومية ويؤدي إلى رحيل الكثيرين منهم· ذكرت جماعة ''بتسيلم'' الإسرائيلية لحقوق الإنسان في عام 2007 أن أكثر من ألف فلسطيني أخلوا منازلهم وتم إغلاق 1829 متجراً في المدينة ومازالت القوات الإسرائيلية تشن غارات شبه يومية هناك· وقال قائد الأمن الفلسطيني في المنطقة المفترض انها خاضعة للسلطة الفلسطينية، من المدينة، العميد سميح الصيفي لوكالة ''رويترز'' في مقره إن تجار المخدرات أو سارقي السيارات أو المجرمين كثيراً ما يفرون إلى المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، حيث لا يستطيع رجاله ملاحقتهم· واستطرد ''كأننا نعمل في حقل ألغام وبالرغم من ذلك نتعاون مع الإسرائيليين''، مُعدِّداً قذائف دبابات وحزاماً ناسفاً وسيارات مسروقة بين أشياء صادرها رجاله وسلموها مؤخراً لنظرائهم الإسرائيليين· ويريد الصيفي الاستعانة بأكثر من 600 رجل أمن إضافي يستكملون تدريبهم حالياً في الأردن بانتظار موافقة الجانب الإسرائيلي على انتشارهم· ولدى سؤاله إن كانت تجري مناقشة انتشار فلسطيني في الخليل أجاب مصدر عسكري إسرائيلي قائلاً ''ليس في الوقت الحالي''· وسوف ويعارض المستوطنون اليهود أي انتشار فلسطيني رغم أن القوات الفلسطينية ستعمل فقط في القطاع الخاضع لسيطرتها· وقال وهو المتحدث باسمهم دافيد ويلدر ''السماح لهم بحمل أسلحة مع انسحاب محتمل للقوات الإسرائيلية من هذا الجانب من المدينة وصفة لكارثة· يجب على إسرائيل أن تفهم أن أمننا ينبغي أن يكون في أيدٍ إسرائيلية ولا يمكن وضع أمن الإسرائيليين في الخليل أو أي مكان آخر في أيدي أعدائنا''·
وأنشأ المستوطنون 4 مستوطنات في الخليل منذ عام 1979 لاستعادة الوجود اليهودي هناك الذي أزالته القوات البريطانية منها عقب أعمال شغب اندلعت عام 1929 وقتل خلالها العرب 67 يهودياً· وفي عام 1994 قتل مستوطن مهاجر من الولايات المتحدة من أصل يُدعى باروخ جولدشتاين 29 مصلياً فلسطينياً في الحرم الإبراهيمي بالرصاص قبل أن يضربه الناجون حتى الموت· وتشعل تلك الأحداث الدموية العداء بين المستوطنين والفلسطينيين الذين يشعرون بمرارة الاحتلال الإسرائيلي·
المصدر: الخليل