مصطفى عبد العظيم (دبي)
توقع خبراء ومحللون اقتصاديون أن يشكل عام 2020 بداية لانطلاقة عشرية جديدة من النمو والازدهار لاقتصاد دولة الإمارات، الذي يطرق أبواب هذه العشرية معززاً ببنية تحتية مؤهلة للتعامل مع أدوات اقتصاد المستقبل القائم على المعرفة والابتكار، وقادرة على استيعاب التغيرات المتسارعة في محركات النمو للعقد المقبل.
وأكد هؤلاء أن اقتصاد دولة الإمارات يأتي في صدارة اقتصادات المنطقة المؤهلة للتعامل مع العقد الاقتصادي الجديد الآخذ في التشكل وفقاً لمفردات وقواعد الثورة الصناعية الرابعة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، لافتين إلى أن ما تتمتع به دولة الإمارات حالياً من بنية تحتية في اقتصاد المعرفة هي نتاج الجهود التي بذلتها حكومة دولة الإمارات خلال السنوات الماضية ضمن الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021 في الانتقال إلى اقتصاد قائم على المعرفة، عبر تشجيع الابتكار والبحث والتطوير، وتعزيز الإطار التنظيمي للقطاعات الرئيسية، وتشجيع القطاعات ذات القيمة المضافة العالية بما يطور من بيئة الأعمال ويعزز من جاذبية الدولة للاستثمارات.
وأوضح هؤلاء أن آفاق الاقتصاد الإماراتي للعقد المقبل تبدو مع بداية عام 2020، أكثر إشراقاً وإيجابية، متوقعين أن تبدأ معدلات النمو الاقتصادي في الارتفاع تدريجياً لتتراوح بين 3 إلى 3.5% خلال الفترة من 2020 وحتى 2024، وفقاً لتقديرات المؤسسات المالية الدولية والمحلية، والتي عزت هذا التفاؤل إلى عدة أسباب أبرزها، زيادة الإنفاق الحكومي في الميزانيات الاتحادية والمحلية وبرامج التحفيز، والتوسع في أنشطة قطاعات الإنشاء والسياحة والنقل، ودعم وتعزيز مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتسهيلات المالية على الصعيدين الاتحادي والمحلي، بالإضافة إلى معرض «إكسبو 2020» الذي يشكل أحد أبرز المحركات الدافعة للنمو في قطاعات اقتصادية مختلفة، أهمها السياحة والضيافة والنقل والتجزئة، فضلاً عن توقعات زيادة التدفقات الاستثمارية في ظل القانون الجديدة وارتفاع الصادرات.
وقال الخبير الاقتصادي أسامة آل رحمة إن التوقعات الاقتصادية لدولة الإمارات تبدو إيجابية خلال السنوات المقبلة، لافتاً إلى أن 2020 ستكون سنة «حراك اقتصادي» يؤسس لعقد جديد من النمو والازدهار.
وقال آل رحمة، إن أول مؤشرات هذا التفاؤل بدأت تظهر مع اعتماد مجلس الوزراء للميزانية الاتحادية لعام 2020 بإجمالي 61.354 مليار درهم وبدون عجز، والتي تعد الأكبر منذ تأسيس الدولة، لتؤسس لبداية عشرية تنموية جديدة ومختلفة ومتسارعة، فضلاً عن مواصلة أبوظبي زخم الإنفاق ضمن برنامج أبوظبي للمسرعات التنموية «غداً 21»، إلى جانب ميزانيتها الضخمة، وكذلك اعتماد حكومة دبي دورة موازنة هي الأكبر أيضاً في تاريخ الإمارة لثلاثة أعوام من العام 2020 وحتى 2022، بما يعكس استمرار نهج الحكومة لتعزيز الاقتصاد الكلي.
وأضاف أن ما يعزز التفاؤل كذلك بالآفاق الاقتصادية للدولة خلال العشرية المقبلة، هو نجاح القيادة الرشيدة خلال السنوات الماضية في وضع البنية التحتية لاقتصاد المستقبل القائم على المعرفة والابتكار، خصوصا في القطاعات الحيوية الجديدة كالذكاء الاصطناعي والفضاء والاقتصاد الرقمي والبلوك تشين، وغيرها من مرتكزات الاقتصاد الجديد الذي سيشكل أفق المستقبل، معتبرا أن 2020 ستكون سنة «حراك» اقتصادي هامة في تاريخ الإمارات استعدادا للخمسين عاماً المقبلة.
وأشار آل رحمة إلى ما حققته دولة الإمارات خلال السنوات الماضية من إنجازات على صعيد مؤشرات التنافسية العالمية وتبوئها مراكز الصدارة العالمية والإقليمية في العديد منها، فضلا عن قدرتها الفائقة على استيعاب أدوات الثورة الصناعية الرابعة وتقنيتها المختلفة، بما يؤسس لانطلاقة جديدة للعقد المقبل، مشيراً إلى أن الحكومة نجحت في التأسيس لهذه المرحلة بشكل مثالي لكن يبقى الدور على القطاع الخاص لإبراز قدرته على التكيف مع هذا الواقع الجديد.
وأوضح أن اقتصاد دولة الإمارات يطرق أبواب العشرية الجديدة معززاً بجميع عوامل النجاح والازدهار، فالإمارات تتمتع بقطاع مالي قوي ومتين وسياسات مالية مرنة، وتحظى بتصنيف ائتماني بين الأعلى عالمياً، ولديها كيانات مصرفية عملاقة نتجت عن الاندماجات الأخيرة، ومصرف مركزي يتمتع بإمكانيات هائلة، فضلاً عن جاذبيتها الكبيرة للاستثمارات الأجنبية المباشرة واستقطاب أكبر الشركات العالمية، وتكوين شراكات استراتيجية مع أكثر الاقتصادات الواعدة نمواً مثل الهند والصين، إلى جانب ما تتمتع به من مقومات سياحية فريدة جعلتها مقصداً لأكثر من 20 مليون سائح في العام، بفضل التنوع السياحي والبنية التحتية السياحية العالمية من فنادق ومزارات ومتاحف عالمية وشواطئ ومراكز للتسوق.
وتوقع آل رحمة أن يسجل الاقتصاد الوطني نمواً في عام 2020 يزيد معدله عن 3%، لافتاً إلى قيام الكثير من المؤسسات المالية العالمية بتعديل توقعاتها للنمو في الإمارات للعام المقبل بشكل إيجابي في ظل التحسن الكبير في أداء القطاعات غير النفطية بفضل الزخم القوي المتوقع أن يحدثه إكسبو 2020 دبي، وإلى جانب تراجع النظرة السلبية للاقتصاد العالمي خلال العام المقبل بعد الانفراجة المرتقبة في الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة وتوصل البلدين لاتفاق بشأن هذه الحرب والتي سيكون لها انعكاس إيجابي على الاقتصاد العالمي.
من جهته، توقع سودير كومار، الشريك ومسؤول الاتصالات في كريستون مينون، أن يشكل عام 2020 نقطة تحول في مسيرة الاقتصاد الإماراتي خلال السنوات المقبلة، بفضل المكانة العالمية التي تحظى بها دولة الإمارات في كافة المجالات وما تتمتع به من مقومات وإمكانيات تضعها في صدارة الاقتصادات الجاذبة للاستثمار والأعمال من كافة أنحاء العالم. وأوضح أن أداء اقتصاد الإمارات خلال العام الجاري سيكون أكثر ديناميكية وحركة على صعيد القطاعات غير النفطية، حيث ستشهد الدولة تدفقات كبيرة في أعداد السياح مع انطلاق إكسبو 2020 دبي، متوقعاً ارتفاع معدل تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الدولة قبل وخلال وبعد انتهاء الحدث، لافتاً إلى أن الأشهر الماضية شهدت ارتفاعاً كبيراً في الطلب على تأسيس الشركات القادمة من الخارج التي تسعى للاستفادة من حالة الانتعاش المرتقبة هذا العام.
وقال إن أعمال الإنشاءات التي يشهدها موقع إكسبو 2020 دبي تسهم في قيادة نمو هذا القطاع، متوقعاً أن تسرع الدول المشاركة بأجنحة خاصة في وتيرة بناء أجنحتها خلال الأشهر المقبلة، استعداداً لانطلاق الحدث في 20 أكتوبر المقبل، لافتاً إلى أن جميع الشركات التي ستشارك ضمن أجنحة الدول لديها اهتمام كبير باستكشاف الفرص الاستثمارية طويلة المدى في دولة الإمارات التي ستشكل قاعدة لانطلاقها نحو أسواق المنطقة، مؤكداً أن قطاع الأعمال ينظر بإيجابية بالغة للعام الجديد والسنوات المقبلة.
وتأتي هذه التوقعات في وقت رسمت فيه مؤسسات مالية عالمية وإقليمية صورة متفائلة لآفاق الاقتصاد الإماراتي للمديين القريب والمتوسط، مؤكدة امتلاكه أدوات استثنائية في التعامل مع التحديات الاقتصادية العالمية، والتي تعزز من قدرته على مواصلة النمو، بعيداً عن أوضاع الاقتصاد العالمي المضطربة، متوقعة تسارع وتيرة نمو الاقتصاد الوطني خلال الفترة من 2020 وحتى 2024، لتتراوح بين 2.5 إلى 3.5%
وتوقعت المجموعة المالية هيرمس أن يحافظ اقتصاد دولة الإمارات على نمو تصاعدي يتجاوز 3% في 2020 الذي يشهد استضافة دبي لـ «إكسبو 2020» والذي من المتوقع أن يحدث رواجاً في العديد من القطاعات الاقتصادية المختلفة، خاصة السياحة والضيافة والتجزئة والاستثمار.
كما توقعت مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس أن يسجل الاقتصاد الإماراتي نمواً مطرداً خلال السنوات الثلاث المقبلة، مدفوعاً بمبادرات التحفيز، وارتفاع الإنتاج النفطي، والزخم المتواصل في التدفقات الاستثمارية والحركة السياحية.
ورجحت المؤسسة في تقرير لها حول الآفاق الاقتصادية لدولة الإمارات، يشهد الاقتصاد الإماراتي مزيداً من التسارع في النمو خلال العام 2020 وأن يتواصل النمو الإيجابي حتى عام 2022، في ظل التحسن المستمر في المعنويات الاقتصادية والارتفاع التدريجي في إنتاج النفط، وكذلك الموقف المالي التوسعي على المستويين الاتحادي والمحلي، وزيادة الجاذبية الاستثمارية والسياحية قبل وخلال معرض «إكسبو 2020»، فضلاً عن الاستقرار السياسي الذي تتمتع به دولة الإمارات.
وتوقع تقرير أكسفورد إيكونوميكس، ارتفاع الناتج الإجمالي الاسمي للإمارات، إلى1.644 تريليون درهم (450.8 مليار دولار) في عام 2020، وإلى 1.73 تريليون درهم (471.7 مليار دولار) في عام 2021، قبل أن يتجاوز حاجز الـ 1.8 تريليون درهم (494 مليار دولار) عام 2022.
محمد أبو باشا: مرونة عالية للتعامل مع التقلبات الاقتصادية العالمية
أكد محمد أبو باشا رئيس تحليل الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية هيرمس، إنه رغم التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي حالياً وتأثيرها على التجارة التي تشكل عنصراً مهماً في هيكل الاقتصاد الإماراتي الذي يعد أحد أكثر اقتصادات المنطقة انفتاحاً، فإنه يمتلك أدوات متنوعة لامتصاص تأثير الأوضاع الاقتصادية العالمية غير المواتية في هذه الفترة، منوهاً بالمستويات العالية من المرونة والديناميكية التي تتفاعل بها حكومة دولة الإمارات مع المتغيرات العالمية والإقليمية والداخلية، والاستجابة السريعة لها، من خلال إطلاق مبادرات تحفيز متنوعة تعزز من فرص استدامة النمو.
أشار محمد أبو باشا إنه خلال العامين الماضيين، كانت استجابة الحكومة للمتغيرات الاقتصادية سريعة وناجعة، سواء على مستوى الحكومة الاتحادية التي قامت بإصدار تشريعات وقوانين مهمة مثل قانون الاستثمار الأجنبي المباشر الذي رفع نسبة ملكية الأجانب إلى ما يصل 100% وكذلك التسهيلات الخاصة بمنح تأشيرات الإقامة طويلة المدى، وكذلك برنامج «غداً 21» في أبوظبي ومبادرات تخفيض الرسوم في دبي، وغيرها من المبادرات الأخرى التي أسهمت في تحفيز القطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة.
وأضاف باشا إلى أنه في حال ظهور بوادر تحسن في الأوضاع الاقتصادية الخارجية مع تخفيض الفائدة الأميركية، والتوصل لتسوية فيما يخص الحرب التجارية بين أميركا والصين، فإنه من المتوقع أن ينعكس ذلك على أداء الاقتصاد الإماراتي خلال الفترة المقبلة، وأن تتسارع وتيرة النمو، مؤكداً أن الاقتصاد الإماراتي تمكن من الحفاظ على مسار نمو إيجابي خلال السنوات الماضية، رغم كل التحديات الخارجية والإقليمية. وتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجديد إلى 3% مقارنة مع نمو مقدر للعام 2019 بنحو 2.5%، مستفيداً من الزخم الذي يحدثه «إكسبو 2020» في القطاعات المختلفة، متوقعاً أن تمتد الآثار الإيجابية لهذا الحدث لعدة سنوات بعد انتهائه.