يصادف هذا العام الذكرى الخامسة والثلاثون لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والإمارات. وخلال الـ 35 عاماً الماضية، أصبح البلدان بفضل تشابه مفهوم التنمية وتناسق الأهداف السياسية ومتانة روابط التعاون، صديقين مخلصين يستفيدان من مزايا الآخر للتنمية والبناء، وشريكين مهمين يحرصان على التواصل والتنسيق حول الشؤون الدولية والإقليمية. وفي العام الفائت، قام فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ، وبالتالي سيادة نائب الرئيس وانغ تشي شان بزيارة إلى الإمارات، الأمر الذي رفع العلاقات الصينية الإماراتية إلى مستوى تاريخي جديد.
وهذا العام، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بزيارة إلى الصين لحضور الدورة الثانية لمنتدى «الحزام والطريق» للتعاون الدولي، ما يضيف زخماً لتبادلات رفيعة المستوى بين البلدين. بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لإقامة العلاقات الثنائية، تحدونا الثقة بأن العلاقات الأخوية بين البلدين ستتعزز وتتوطد باستمرار في ظل فطنة قيادتي البلدين الحكيمتين.
تشعر الأمتان الصينية والعربية بأنهما من أسرة واحدة رغم المسافات البعيدة التي تفصل بينهما. وظلت الصين والإمارات والدول العربية أصدقاء يتبادلون المنافع والمصالح وإخوة يتشاطرون السراء والضراء مهما كانت تقلبات الأوضاع على الساحة الدولية، أو كانت صعوبات وعقبات تواجههم. فلا مجال للآخرين توجيه الإملاءات والاتهامات الباطلة.
ولقد ألمح سياسي سابق لدولة ما مؤخراً في إحدى المناسبات العلنية إلى أن الصين ليست «أخاً حقيقياً» للإمارات رغم تنامي العلاقات الصينية الإماراتية، إلا أن هذا التصريح غير مسؤول ويغض النظر عن الوقائع، إذ إن الأخوّة بين الصين والإمارات، وغيرها من الدول العربية تضرب جذورها في أعماق التاريخ، وتزداد رسوخاً على مرّ السنوات.
شظايا سيلادون الصينية
تستلقي القطع المتبقية للخزف الصيني بهدوء في زاوية متحف دبي. إنها سيلادون من أسرة سونغ الملكية الذي تم اكتشافه من موقع جميرا الأثري بدبي، ويروي علاقات قديمة تربط بين الشعبين الصيني والإماراتي، رغم تكسرها خلال تنقلها على مدى آلاف السنين. كان أجداد البلدين يتواصلون ويتبادلون عاماً بعد عام عبر الصحارى والبوادي الواقعة على طريق الحرير، ويبحرون ليلاً ونهاراً بسفنهم الشراعية في البحار الشاسعة الواقعة على طريق التوابل، سائرين في طليعة التواصل الودي بين مختلف الأمم في العصر القديم، ومن بينهم قان ينغ من أسرة هان الشرقية قبل 2000 سنة وابن بطوطة من المغرب قبل 700 سنة وتشنغ خه من أسرة مينغ الملكية قبل 600 سنة، المعروفون كسفراء الصداقة والتواصل بين الجانبين الصيني والعربي.
ونشرت صناعة الورق وفن الطباعة والبارود والبوصلة من الصين إلى أوروبا عبر المنطقة العربية من خلال طريق الحرير، بينما دخلت من خلاله إلى الصين علوم الفلك والتقويم والطب والأدوية العربية، ما سجل آيات مهمة في تاريخ الاندماج والاستفادة المتبادلة بين مختلف الحضارات. تعد شظايا سيلادون هذه أخوّة مرئية بيننا.
مساهمات صينية «خضراء»
هناك «مزرعة خضراء» خصبة ونابضة بالحياة في صحراء نزوى تبعد نحو 50 كيلو متراً عن إمارة دبي، وتنبت فيها خضراوات متنوعة. منذ عام 2012، قام هذا المزارع الصيني بتسليك أنابيب الري في الصحراء الاستوائية في الإمارات، وإقامة أسوار رملية مقاومة للرياح، وبناء سقيفات مزودة بمكيف الماء المبرد. بفضل استقطاب التكنولوجيا المتقدمة الصينية لتوفير المياه وتقنية الزراعة المكثفة، تحولت الأراضي الرملية المهجورة تدريجياً إلى أرض زراعية خضراء. وعليه، نجح المزارع الصيني بالعزم والتصميم في خفض اعتماد الإمارات على الخضراوات المستوردة، بما يمكّن المواطنين الإماراتيين من تناول خضراوات طازجة بأسعار رخيصة، والزوار الأجانب من تناول الخضراوات الصحراوية عن طريق طيران الإمارات. وفي مايو 2018م، حقّق الفريق الصيني للبحث والتطوير نجاحاً في زراعة تجريبية لأرز البحر في الصحراء الاستوائية بدبي، بما يبشّر بمزيد من «مساهمات صينية» في تحسين البيئة الإيكولوجية لمناطق صحراوية إماراتية. تعدّ هذه الخضراوات والأغذية أخوّة مُذاقة بيننا.
زلزال ونتشوان والدعم الإماراتي
لن ينسى الشعب الصيني أنه عقب وقوع زلزال ونتشوان الشديد، قدم إخوتنا العرب مساعدات أكثر سخاء، ومنهم الحكومة الإماراتية التي تبرعت بخمسين مليون دولار أميركي، كما لن ينسى الشعب الصيني أن إخوتنا العرب وأصدقاءنا الأفارقة هم الذين صوّتوا لاستعادة المقعد الشرعي للصين في الأمم المتحدة قبل أكثر من أربعين سنة. وفي المقابل، ظلت الصين بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، تدافع بصراحة عن حقوق الدول النامية الغفيرة ومن ضمنها الدول العربية في مناسبات متعددة الأطراف وتدعم بثبات القضية العادلة للشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وتفي كدولة مسؤولة كبيرة بالتزامات دولية مطلوبة.
وأصبحت الصين ثاني أكبر دولة ممولة لعملية حفظ السلام الأممية ودولة مساهمة مهمة بالقوات فيها. بعثت حتى الآن أكثر من 39 ألف فرد من قوات حفظ السلام، فلا تخلو العملية في لبنان والسودان والدول العربية الأخرى من أصحاب «الخوذة الزرقاء» الصينيين، واستشهد العديد منهم أثناء أداء مهامهم في العراق والكويت وإلخ. في السنوات العشر الماضية، أرسلت الصين إلى خليج عدن والمياه قبالة سواحل الصومال على التوالي ثلاثين أسطول حراسة، ونحو مائة زورق وأكثر من 26 ألف ضابط وجندي، وقامت بحراسة أكثر من 6600 سفينة صينية وأجنبية وإنقاذ أكثر من سبعين سفينة منكوبة، مما كفّل بقوة أمن الممر البحري المهم للتجارة الدولية. على العكس من ذلك، إن الدولة التي ينتمي إليها السياسي السابق المدعي بأن الصين ليست «أخاً حقيقياً»، هي التي تخلق التوتّر وتحرّض على «الثورة» في منطقة الشرق الأوسط، بل وحتى تتذرع بتهمة واهية لشن الحرب بغض النظر عن رفض المجتمع الدولي، بما يفضي إلى اضطراب مستمر في المنطقة ومعاناة غير منتهية تعيشها الجماهير المحلية. تختبر قوة الجواد من طول السفر والصديق وقت الضيق. لذا إن التضامن والتساند هو وحده يجسد في أخوة تستحق الثقة بين الصين والدول العربية.
* السفير الصيني لدى الدولة