قفزة نوعية جديدة تواكب ثورة «أطفال الأنابيب» في الحقل الطبي
ثورة طبية حقيقية أبهرت العالم بأسره للمرة الأولى في 25 من يوليو عام 1978، عندما وُلدت الطفلة "لويزبراون"، في أولدهام، بإنجلترا كأول مولود في العالم لأطفال الأنابيب، في إعلان عالمي لإنجاز طبي غير مسبوق، توج بالنجاح بعد طريق طويل وشاق من الأبحاث والتجارب للعالم البريطاني حائز جائزة نوبل "روبرت إدواردز"، والتغلب على كثير من المعوقات والأسباب الفسيولوجية التي تمنع حدوث الحمل عند المرأة، مثل انسداد قناة فالوب أو ضعف الحيوانات المنوية للرجل، أو غير ذلك، وتم التفكير في طفل "أنبوب الاختبار" لتجاوز الحالات التي يتعذر فيها التلقيح الطبيعي للبويضة داخل الرحم. بعد "لويز براون" لم تتوقف الجهود الطبية في مختلف الأوساط البحثية في أنحاء العالم كافة، ففي الإمارات، نجح الفريق الطبي بمستشفى توام في مدينة العين الأسبوع الماضي في تحقيق تقنية جديدة لتشخيص الأمراض الجينية قبل إعادة طفل الأنابيب لرحم الأم، ونجح في استيلاد أول ثلاثة أطفال من بويضات مجمدة لثلاث مواطنات، حيث تم تخصيب البويضات المجمدة، ونقلها إلى داخل رحم الأم، الأمر الذي شكل نجاحاً كبيراً ونقلة نوعية، وسبق للمستشفى نفسه أن نجح في تجميد 690 بويضة لـ 108 مريضات خلال العامين الماضين.
(أبوظبي) - ما حقيقة “طفلة أنابيب”؟، وهل تختلف عن ما يعرف بالحقن المجهري داخل البويضة؟ وما الظروف الصحية للأم التي تستوجب الاعتماد على هذه التقنية الطبية المعقدة؟ ولماذا يلجأ الأطباء إلى تخصيب بويضة الأم خارج الرحم الطبيعي في المرحلة الأولى؟ وهل هناك موانع أومعايير أو محاذير طبية معينة قبل إجراء عملية التلقيح الصناعي؟
التلقيح الصناعي
الدكتور سميح العزازي استشاري جراحة النساء والولادة، يُلقي الضوء على هذا النوع من الإنجاز، ويقول: “التلقيح الصناعي أو ما يعرف بـ (أطفال الأنابيب)، ببساطة يمكن وصفها بأنها العملية التي يتم فيها إخصاب بويضات الأم بواسطة خلايا الحيوانات المنوية للزوج خارج الرحم في المختبر، كحل وعلاج رئيسي للعقم عندما تفشل جميع العلاجات والوسائل الأخرى لتكنولوجيا المساعدة للتناسل.
وتنطوي العملية على التحكم في عملية التبويض هرمونياً، وسحب البويضات من مبيض الزوجة، وإتاحة الفرصة للحيوانات المنوية الذكورية لتقوم بعملية الإخصاب في وسط سائل معين، ومن ثم يتم نقل البويضة المخصبة إلى رحم المريضة بقصد حدوث وإكمال الحمل بنجاح، وكلنا يعلم أن أوَّل نجاح لميلاد طفل أنابيب، كان للطفلة البريطانية (لويز براون) عام 1978، على يد العالم (روبرت إدواردز).
وفي خريف 2010 قامت مجموعة من العلماء في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا الأميركية بتحسين طريقة التخصيب وزرع البويضة المخصبة في البيئة الطبيعية لرحم المرأة بعد أن انتظر الأطباء خمسة أيام بعد تخصيب عدة بويضات في البوتقة (خارج الرحم)، واختيار أصلحها من بينها وزرعها في رحم الأم، على أساس أن البويضة المخصبة التي تنمو في البوتقة وتتحمل النمو خارج رحم الأم تلك المدة هي الأصلح لنمو الجنين، فبعد إجراء الاختبار على نحو 240 حالة، توصل الأطباء الأميركيون إلى أن ثلاثة شواهد تبين أي تلك البويضات الأصلح من خلال ملاحظة أيها تقوم بالانقسام الأول قبل الأخريات، والشاهدان الآخران هما تعيين الزمن بين انقسامات تالية، حيث كلما يتم الانقسام سريعاً كلما كانت البويضة المخصبة أصلح، وتبين تلك الطريقة بنسبة نجاح تبلغ 93%، أي من تلك البويضات المخصبة يمكن أن تعيش لمدة خمسة أيام في البوتقة، بذلك يمكن للطبيب معرفة البويضة المخصبة الصالحة للزراعة في رحم الأم خلال يومين اثنين بعد التخصيب. ومن المتوقع أن يرتفع معدل نجاح التخصيب في الأنبوب الذي يبلغ حالياً نحو 30% مع تطبيق الطريقة الجديدة”.
تطور تقني
وتكمل الدكتورة شاهدة عجيزي، اختصاصية أمراض النساء والعقم: “لقد شهدت السنوات الأخيرة تطوراً تقنياً طبياً ملموساً على هذا الصعيد، ويمكن للمتابع أو المهتم أن يلاحظ أنه يمكن أن تكون الأجنة المستخدمة في التلقيح إما (حيوية) مأخوذة من خلايا بيضة مخصبة من دورة حيض الأم نفسها، أو (مجمدة)، حيث تم تجديدها في دورة سابقة مجمدة في ظروف معينة تحفظ لها حيويتها وخصائصها البيولوجية، ويتم تذويبها قبل عملية النقل، ولوحظ أن الأطفال المولودين من قبل أجنة مخصبة في المختبر (أطفال الأنابيب) أقل عرضة للولادة قبل الأوان (ولادة مبكرة أو ناقص الوزن) من هؤلاء اللاتي حملن خلال دورات المعالجة الحيوية، كما سجلت إحدى الدراسات أيضاً معدلات أقل لولادة الوليد الميت والموت المبكر من بين أطفال الأجنة المجمدة، كما تشير النتائج البحثية العالمية. إن هذه العملية تحتاج بالضرورة تجهيز معين لرحم الأم، حيث تكون هناك ضرورة لتبطين الرحم، وتجهيزه بطريقة تتيح زرع الأجنة، حيث يتم نقل الجنين (المجمد)، بعد إعطاء الأم المتلقية أول تجهيزات الإستروجين لمدة أسبوعين تقريباً، ثم مزيج من الإستروجين والبروجسترون لكي تصبح بطانة الرحم في حالة تساعدها على تقبل الجنين. ففي الدورات التحفيزية في إخصاب المختبر البشري، يتم نقل الأجنة كما هو متوقع في (ثلاثة أيام) بعد عملية الإخصاب، وقد يكون قد وصل إلى طور بلوع الخلايا الثمانية، أو يتم النقل فيما بعد من يومين إلى ثلاثة أيام عند بلوغ طور ما يعرف بالكيسية الأريمية، ويمكن اختبار الأجنة التي وصلت إلى طور (الخلايا الثلاث) لعيوب وراثية محددة، أو عيوب كرومية قبل عملية نقل محتمل قبل الزرع الوراثي”.
طرق جديدة
ويضيف الدكتور رواء مصطفى أستاذ أمراض النساء وعلاج العقم وأطفال الأنابيب بطب عين شمس وزميل الكلية الملكية بلندن: “إنَّ أولى هذه المراحل هي مرحلة التحضير السليم للزوجة والزوج، وتشمل هذه المرحلة إجراء الفحوص اللازمة للزوج والزوجة تلي ذلك مرحلة تنشيط المبيض للزوجة باستخدام منشطات التبويض ومتابعة هذا التنشيط حتى الوصول إلى مرحلة عملية سحب البويضات من الزوجة بواسطة الموجات الصوتية المهبلية والحصول على الحيوانات المنوية من الزوج، ويتم بعد ذلك إخصاب البويضات بالحيوانات المنوية في معمل الأجنة باستخدام طريقة أطفال الأنابيب أو الحقن المجهري، ثم بعد ذلك الاحتفاظ بالأجنة في الحضانات الخاصة؛ لذلك حتى يكتمل نضجها، وبعد ذلك يتم إدخال هذه الأجنة بداخل الرحم في المرحلة الأخيرة، والتي تنتهي بالتصاق الأجنة بهذه البطانة، ثم حدوث الحمل بعد ذلك.
ويُشير الدكتور رواء مصطفى إلى أن هناك طرقاً جديدة تمت إضافتها لعمليات الحقن المجهري وأطفال الأنابيب أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في حدوث الحمل في الفترة الأخيرة، ومن أهم هذه الطرق تقنيات حديثة تساعد على زيادة نسبة حدوث انغراس الأجنة ببطانة الرحم بعد زرعها بالرحم في المرحلة الأخيرة من عمليات الحقن المجهري وأطفال الأنابيب”.
«لويز براون» إنجاز طبي غير مسبوق
لم يكن ميلاد “لويز براون” حدثاً طبياً عالمياً اعتيادياً، عبر جراحة قيصرية، توجت جهود سنوات طويلة من العمل البحثي الشاق. فالمعجزة بدايتها تعود إلى نهاية خمسينيات القرن الماضي، حينما أخذ العالم البريطاني “روبرت إدواردز”، الذي يعمل بالمعهد القومي للأبحاث الطبية بلندن على عاتقه مسؤولية إيجاد حل للعقم، إلى أن تكللت المغامرة بالنجاح. أما “لويز براون”، فقد نشآت وكبرت بشكل طبيعي، وعملت مربية في رياض الأطفال لدى إحدى شركات الملاحة البحرية في مدينة بريستول البريطانية. وعرفت قصة ولادتها عندما بلغت سن الحادية عشرة، من زميلاتها بالمدرسة، فاسمها وصورها كانت حديث الصحف بشكل متكرر في أنحاء العالم كافة، وعندما بلغت الخامسة أخبرها والداها عن الطريقة التي جاءت بها وأنهما “يحتفظان بكل شيء مسجلاً بالفيديو”.
وتزوجت لويز عام 2004، وحضر البروفيسور ادواردز حفل زفافها من زوجها ويسليو، وأصبحت أماً للطفل “كاميرون” الذي أنجبته بطريقة طبيعية عام 2006، وكان كل ما يخشاه ادواردز ألا يستطيع أطفال الأنابيب الإنجاب بشكل طبيعي، وهو الخوف الذي بددته “ناتالي” الأخت الأصغر للويز، “ناتالي” التي تحتل رقم 40 في قائمة الأجنة التي ولدت نتيجة التخصيب الاصطناعي، حيث أنجبت هي الأخرى بشكل طبيعي عام 1999 وأصبحت أما لطفلين.