على الرغم من قسوة هذه النظرية إلا أنني أفضلها، فهي حاسمة قاطعة، مهما كانت توابعها ومهما كانت عواقبها، ولذا قد يبدو مستغرباً لدى كثيرين أن أخبرهم أن من أحب أبيات الشعر لدي، ما قاله الشاعر العربي القديم: إذا أنت لم تنفع فضُرَّ فإنما خُلق الفتى كيما يضرَّ وينفعا يرى الكثيرون أن فكرة أن يكون المرء نافعاً أو ضاراً فيها مبالغة، وأن يكون «بين بين» أهون من أن يكون ضاراً بالكامل، ولكنني على العكس، أميل أكثر لمن هو ذو لون ورائحة وفعل ورد فعل.. أكثر من أولئك الأشخاص الذين يتجملون كثيراً وكأنهم دبلوماسيون أي كلمة منهم غير محسوبة قد تخرب علاقات بين الدول أو تنذر بحروب. هذه البداية، هي ما افتعل في نفسي، حين قررت الكتابة عن الحكام، والتطور الأخير الذي طرأ على البيت التحكيمي بالاتجاه إلى الخارج، وهو اتجاه لا بأس به، بل إنه من صلب وصميم الاحتراف، وكثير من الدول صاحبة التجارب الكروية الثرية تتجه إلى استقدام حكام من الخارج، وأيضاً قد يشارك حكامها في إدارة مباريات خارجية، وأقرب النماذج إلينا قطر التي يدير مباريات دوري النجوم فيها حكام أجانب، وفي مصر، يتم استدعاء حكام أجانب لكل المباريات ذات الطبيعة الخاصة وما أكثرها. ورفض الحكام هنا أو قلة منهم لفكرة استقدام الأجانب، هو ضدهم وليس لصالحهم، فالحكم الواثق في نفسه وفي قدراته، يجب ألا يهتز بأن يشاركه غيره في إدارة المباريات، وقد يجد في ذلك فرصة للوقوف على الجديد والتعلم، مع التأكيد على أن التعلم ليس عيباً حتى ممن هو أصغر منا. وأعتقد أن اتحاد الكرة ولجنة الحكام، حين فكرا في القرار، أرادا تخفيفه على الساحة بالتأكيد على فكرة التبادل، وكونها شرطاً رئيسياً، لاستقدام حكام من الخارج، وتحديداً من الاتحادات التي وقع الاتحاد الإماراتي معها بروتوكولات تعاون، ومنها اتحادات إسبانيا وألمانيا وإيطاليا، كما صرح ناصر اليماحي الذي أكد أن التوجه لفكرة التبادل جاء لاستثمار هذه الاتفاقيات وتفعيلها، هذا إضافة إلى الاتحادات الأخرى التي تم طرحها كبدائل مثل أوزبكستان واليابان واستراليا وكوريا، وبعض الاتحادات العربية ومنها مصر وتونس. وأعتقد أيضاً من وجهة نظري أنه يجب الفصل بين مبدأ الاستعانة بالأجانب وفكرة التبادل ووضعها شرطاً، لأننا حين نتخذ قراراً كذلك، فنحن نأخذه بالنيابة عن طرفين، نحن والاتحاد الخارجي، وحين نقول الاتحاد الإسباني مثلاً أو الألماني أو الإيطالي، فهذا يعني أننا نريد منهم أن يرسلوا لنا حكماً ليدير مباراة ما، على أن يأخذوا أحد حكامنا ليدير مباراة للريال وأخرى للانتر وثالثة للبايرن، لا سيما أن عدداً من التصريحات أكدت أهمية المباراة التي تسند لحكامنا في الخارج وألا تكون هامشية. وإذا كان مبدأ التبادل والاستثمار للاتفاقيات هو أساس الفكرة، فلماذا تأخرت، ولماذا كان الاقتراب من هذا الطرح من قبل أشبه بالاقتراب من حقل ألغام؟ استقدام حكام من الخارج لا يعيب حكامنا، بل يساهم في طرح كرتنا على أكثر من صعيد، وفائدتها أيضاً، وعلى حكامنا أن يكونوا أهلاً للمنافسة مع الأجانب، فالاحتراف ليس فقط قدر لاعبينا ومدربينا، وإنما هو أيضاً قدر الحكام، وعليهم أن يكونوا مستعدين.