حذر خبراء ومستهلكون من تعرض السوق القطرية لموجة جديدة من ارتفاع أسعار السلع الغذائية والخدمات بعد تزايد توقعات المنظمات الدولية بعودة التعافي إلى الاقتصاد القطري وتحقيقه لمعدلات نمو تصل إلى 18% هذا العام. وأشاروا إلى التوقعات المتفائلة التي أعلن عنها صندوق النقد الدولي مؤخراً والتي قال فيها أن الاقتصاد القطري مرشح لتسجيل أعلى معدل نمو في العالم يقارب 18%، مشددين على ضرورة قيام الأجهزة كافة المعنية بالعمل على تجنب حدوث ارتفاعات غير مبررة الأسعار. وقد تزامنت هذه التحذيرات مع الانتقادات “شديدة اللهجة”، التي وجهها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء إلى التجار مؤخراً، والتي أكد فيها وجود ارتفاعات غير مبررة في أسعار السلع والخدمات مقارنة مع أسعار ذات السلع والخدمات في الدول المجاورة، وقال إن ذلك غير مقبول تحت أي مبرر، مؤكداً أن الدولة “لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تسمح أو تتغاضى عن الممارسات الاحتكارية واستغلال المواطنين”. وتوقع الخبراء أن تعاود أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات ارتفاعاتها التدريجية في السوق إذا لم تتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بالسيطرة عليها بسبب تجاوز الاقتصاد القطري لتداعيات الأزمة المالية العالمية ودخوله في دورة جديدة من التعافي، مشيرين إلى أن القاعدة الاقتصادية تؤكد أن حدوث التعافي الاقتصادي لا بد أن يصاحبه ارتفاع في معدلات التضخم. تداعيات الأزمة وقال محمد نور العبيدلي، رجل أعمال، إن الاقتصاد القطري بدأ فعلياً في تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية. وأرجع السبب في ذلك إلى الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط هذا، بالإضافة إلى احتلال قطر لصدارة الدول المصدرة للغاز الطبيعي في العالم. وأشار إلى أن الموازنة العامة للدولة رصدت نحو 35 مليار ريال لمشروعات البنية التحتية هذا العام، ولذلك حصلت معظم الشركات في القطاعات كافة على عقود لمشاريع جديدة، وهو الأمر الذي سيؤدي حتما إلى تحقيق الاقتصاد القطري لمعدلات نمو مرتفعة خلال هذا العام. وتوقع العبيدلي أن ترتفع أسعار السلع والخدمات خلال المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن التعافي الاقتصادي عادة ما يصاحبه ارتفاع في معدلات التضخم. وشدد رجل الأعمال على ضرورة قيام الدولة باتخاذ الإجراءات كافة الكفيلة بالحيلولة دون عودة أسعار المواد الأولية والسلع الأساسية للارتفاع من جديد. وحذر من إمكانية حدوث عواقب سلبية على الاقتصاد القطري في حالة عودة التضخم إلى مستوياته المرتفعة التي كان عليها خلال عامي 2007 و2008. وقال العبيدلي هناك ارتفاع غير مبرر لأسعار الكثير من السلع والخدمات خاصة في ظل انخفاض الإيجارات، مشيراً على أن الإيجارات تراجعت بمعدلات تصل في بعض الأحيان إلى 50%، وهو ما كان كفيلاً بتخفيض معدلات التضخم ومن ثم تراجع أسعار السلع والخدمات. ويضيف الجميع يعرف أن صعود الإيجارات كان السبب الرئيس في ارتفاع معدلات التضخم في قطر خلال الأعوام القليلة الماضية.. ويتساءل إذا كانت الإيجارات قد تراجعت فلماذا لم تتجاوب أسعار السلع الاستهلاكية في قطر مع هذه التراجعات؟ وقال إن السبب الرئيس في ذلك يعود إلى احتكار بعض التجار لمعظم السلع المتداولة في الأسواق القطرية. وقال إن الأسواق الدولية مازالت تعاني من ركود اقتصادي بسبب الأزمة المالية العالمية وجاءت أزمة اليونان لتزيد الطين بلة وتحد من محاولات التعافي التي كانت تسعى الاقتصاديات العالمية إليها. وقال كان من المفترض أن تتراجع أسعار السلع الاستهلاكية في قطر على اعتبار أن قطر تقوم باستيراد معظم احتياجاتها من السلع الاستهلاكية من الخارج إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث بسبب احتكارات التجار وهوامش الربح المرتفعة. ويقول: يجب على الدولة أن تجبر التجار على تخفيض هوامش الربح الخيالية التي يحققونها من وراء استيراد السلع بأسعار منخفضة وبيعها بأسعار خيالية. وقال رجل الأعمال إن مراقبة أسعار السلع والخدمات في السوق القطري تتطلب تضافر جهود غرفة تجارة وصناعة قطر ووزارة الأعمال والتجارة التجارة و إجراء دراسات معمقة لمعرفة أسباب ارتفاع أسعار السلع. ويقترح العبيدلي أن تقوم الجهات المعنية بالرقابة الدقيقة على التجار من خلال مراجعة فواتير الاستيراد لتحديد أسعار السلع وفقاً للأثمان التي وضعتها بلد المنشأ بهدف منع هؤلاء التجار من تحميل المستهلكين بأعباء إضافية. توقعات وتحذيرات وكان صندوق النقد الدولي قد توقع مؤخراً أن يسجل الاقتصاد القطري معدل نمو قدره 18% خلال العام الحالي. وأكد الصندوق في تقريره عن توقعاته لاقتصاديات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى أن تصل الاحتياطيات الدولية لقطر إلى 20 مليار دولار. وقال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق مسعود أحمد إن اقتصاد قطر سينمو بتلك النسبة المرتفعة مدفوعاً بالتوسع في قطاع الطاقة والغاز الطبيعي. تحذير حكومي ونظراً لمخاوف الخبراء والمستهلكين من عودة الأسعار للجنون مرة أخرى، فقد وجه الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء القطري تحذيرات شديدة اللهجة خلال لقائه السنوي مع التجار، وقال: ننصح التجار بمراعاة العدالة في أسعار السلع والخدمات التي يقدمونها إلى السوق المحلي، وأضاف من الواضح وجود فروق كبيرة بين أسعار السلع والخدمات المتوافرة في الدولة مقارنة مع أسعار السلع والخدمات نفسها في الدول المجاورة. وقال إن هذا الأمر غير مقبول تحت أي مبرر، مؤكداً أن الدولة “لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تسمح أو تتغاضى عن الممارسات الاحتكارية واستغلال المواطنين”. وأضاف رئيس الوزراء القطري: إذا استمر ذلك الوضع، سوف يتم فتح الوكالات التجارية ولن تكون حكراً على أحد، مشدداً على أن استقرار السوق وعدم استغلال المواطن يعد مسؤولية مشتركة بين الدولة والتجار وبالتالي يجب التعاون بشكل وثيق فيما بينهم للقضاء على تلك الممارسات. ومن جانبه، يؤكد سعد محمد خليل، خبير اقتصادي بمعهد التخطيط، أن الموازنة القطرية لهذا العام رفعت الإنفاق بشكل كبير، وبالتالي سوف تلجأ الدولة والقطاع الخاص إلى استيراد مزيد من العمالة لإنجاز مشاريع البنية التحتية المدرجة في الموازنة الجديدة. وقال في هذه الحالة، فإن أسعار السلع في قطر ستكون مرشحة للارتفاع خصوصاً مع زيادة عدد الوافدين، مشيراً إلى أن عدد السكان في قطر قد زاد بنسبة 100% خلال الأعوام الأربعة الماضية، وهو الأمر الذي يمثل ضغط على السلع والخدمات كافة ويزيد من الطلب عليها، ولذلك يتوقع أن يستمر ارتفاع أسعار السلع في قطر طالما أن هناك زيادة دائمة في الطلب. ويعتقد الدكتور سعد أن ارتباط السوق القطري بالأسواق العالمية في الحصول على احتياجاته من السلع بأنواعها كافة يجعله عرضه للتقلبات المستمرة في بورصات السلع العالمية، وبالتالي إذا ارتفعت الأسعار عالمياً فلا بد أن ترتفع في قطر. وقال إن عودة صعود أسعار الإيجارات هو المحرك الداخلي الوحيد الذي يمكن أن يبرر ارتفاع أسعار السلع والخدمات في السوق القطري. وأضاف حتى الآن لا توجد مؤشرات يمكن الاستناد إليها في عودة الأسعار إلى الارتفاع مرة أخرى، مشيراً إلى أن السوق العقاري يعاني وفرة كبيرة في الطلب خلال الأشهر العشرة الأخيرة، وهو الأمر الذي حافظ على استقرار الأسعار وعدم اتجاهها للصعود. الرقابة على الأسواق قال سعد خليل الخبير الاقتصادي إن الرقابة على الأسواق وتحديد أسعار السلع الاستهلاكية يعد من الأشياء الضرورية بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين والمقيمين. ويطالب المؤسسات والوزارات المعنية بضرورة مراقبة الأسواق بشكل إيجابي، مشيراً إلى أن تطبيق معايير السوق الحرة لا تعني ترك أسعار السلع يحددها التجار للحصول على هوامش ربح خيالية. وقال: يجب أن تقوم لجنة تحديد الأسعار، الجاري تشكيلها، بدراسات معمقة لتحديد أسعار السلع في بلد المنشأ وتحديد تكاليف الشحن والتخزين وغيرها. والاهم كما يقول الدكتور سعد هو تشديد الرقابة على مراحل توزيع السلع بداية من خروجها من الجمارك مروراً بتاجر الجملة وانتهاء بتاجر التجزئة وتحديد هوامش الربح في كل حلقة من حلقات توزيع السلع وبعد ذلك يتم وضع هامش ربح معقول ومن ثم الخروج بقائمة تحدد الحد الأقصى لبيع السلع ومعاقبة من يتجاوز هذه الأسعار بعقوبات رادعة تضمن إلزام التجار بالأسعار الموضوعة من قبل وزارة التجارة. ويشير الخبير الاقتصادي بمجلس التخطيط إلى أن هناك مصاريف غير منظورة يتكبدها التجار وتؤدي في كثير من الأحيان إلى تضاعف أسعار السلع والخدمات مقارنة بالدول المجاورة، ويقول ليس كافياً أن نعرف سعر السلع في بلد المنشأ وتكاليف الشحن والتخزين وغيرها حتى نصل إلى السعر العادل، مؤكداً أن تكلفة أداء الأعمال مرتفعة للغاية في قطر وتؤدي في بعض الأحيان إلى مضاعفة أسعار السلع والخدمات مثل البيروقراطية والتخليص الجمركي والنقل والتخزين، مشيراً إلى أن البضائع التي يمكن الإفراج عنها خلال ساعة أو ساعتين ربما تأخذ فترات أكبر من ذلك، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تكبد المستورد مصاريف إضافية كبيرة. وقال إن هذه التكاليف غير منظورة وربما لا يعرفها غير المستوردين الذين يعانون بسبب مثل هذه الإجراءات، ولذلك يطالب الدولة قبل الشروع في تشكيل لجنة تحديد الأسعار أن تسعى إلى تخفيض تكاليف تخليص الأعمال وينصح بضرورة مشاركة العديد من الجهات في تحقيق هذا الهدف وتوفير مخازن بأسعار معتدلة للمستوردين والتجار لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تخفيض التكلفة الإجمالية ومن ثم تخفيض الأسعار.