القاهرة (الاتحاد)

تقع مملكة إيبلا شمال غرب سورية «تل مرديخ»، تعد بداية عصر السلالات الملكية، أظهرت الألواح المكتشفة قيامها في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد وقبل الإمبراطورية «الأكدية» بأكثر من مئة عام، شكلت أساساً لبناء الحضارة السورية، بسطت نفوذها على المناطق الواقعة بين هضبة الأناضول شمالاً وشبه جزيرة سيناء جنوباً، ووادي الفرات شرقاً وساحل المتوسط غرباً، وحكمها ثلاثة ملوك.
بينت الاكتشافات وجود مكتبة أحد القصور الملكية، ذات أرشيف منظم ومنسق، بلغ تعداد الموجودة داخلها حوالي سبعة عشر ألفاً وخمسمئة رقِم، إلى جانب سجلات تحتوي على مواضيع وتقارير ونصوص إدارية مختلفة، ووثائق تعود إلى أوائل العصر البرونزي 2500 ق. م. مكتوبة بالأحرف المسمارية، وتشير إلى استعمال الإيبلويين اللغة السومرية إلى جانب لغتهم الخاصة.
هيمنت إيبلا فترة طويلة على آسيا الأمامية، وتميزت باستقلالها ودورها في المنطقة، دلت المخطوطات المكتشفة في شتى نواحي الحياة على حضارة عالية التطور، واستمدت من المجالات الزراعية والصناعية والتجارية قوتها الاقتصادية، واستفادت إيبلا من موقعها الجغرافي، حيث تمر فيها الطرق التجارية القادمة من مختلف الاتجاهات، والتي تعتبر بمثابة الشرايين التي تتدفق عبرها التجارة، فعكف الإيبلويون على عقد الاتفاقات التجارية، وبسطوا نفوذهم على الطرق التجارية لضمان سلامة القوافل ونجحوا في مبادلة البضائع، فاتسم النشاط التجاري بالحيوية وتدفقت الأموال، فأصبحت مسرحاً لحركة تجارية وعاصمة لأغنى طريق تجاري في المنطقة.
عٌرفت إيبلا كمملكة زراعية تعتمد على كثرة السهول الخصبة نتيجة مياه الأمطار، وزرع الإيبلويون سبعة عشر نوعاً من القمح وغيرها من الشعير، بالإضافة إلى أشجار الزيتون والكروم «العنب» والكتان والزراعات العديدة المختلفة، وتعد إيبلا من أكثر الممالك القديمة تقدماً في الصناعة واعتمد أهلها على المواد الأولية المحلية كالصوف والكتان والمحاصيل الزراعية، إضافة لعدد من الصناعات التي تقوم على الأخشاب، كما اشتغلوا بصناعة معالجة وصهر المعادن وسبك التعدين، بالإضافة إلى تنظيم ومقاييس صناعة المعادن وأنواعها، وصقل الأحجار الكريمة كالعقيق الأحمر، إلى جانب امتهانهم الحرف المختلفة لتلبية حاجاتهم اليومية، كما مارس الإيبلويون تربية الحيوانات التي انتشرت بالمملكة.
لم تكن مملكة إيبلا مركزاً تجارياً فحسب، بل ثقافياً وعلمياً لها مؤسساتها، وأوضحت الاكتشافات وجود المعجم اللغوي النادر الذي يبين مدى التطور الثقافي والتعليم فيها وعلاقاته الثقافية مع البلدان المجاورة.
فقدت إيبلا مكانتها واستقلالها، وخضعت لأسرة شاروكين الأكادي على يد الملك نارام سين الذي غزاها وقام بإحراق أجزاء كبيرة منها، أهمها مكتبة القصر الملكي في العام 2250 ق.م.