أزهار البياتي (الشارقة)
تحتضن إمارة الشارقة مناطق حضارية وسياحية متميزة، لا يزال بعضها يحتفظ بأسرار ضاربة في عمق التاريخ منذ آلاف الأعوام، ولعلَّ أبرزها منطقة مليحة، التي شهدت أول نشاط بشري منذ آلاف السنين، حيث يمثل موقع مليحة الأثري إرثاً تاريخياً ثرياً تمتد جذوره من العصور الحجرية، البرونزية، الحديدية، وصولاً إلى عصر ما قبل الإسلام، تاركاً بصماته وكنوزه الأثرية شواهد للقاصي والداني، لتروي بدورها حكايات عن حضارة أرض الإمارات الطيبة بكل ما تحمله من أصالة وثقافة وتراث.
هيكل مهيب
ما إن يدخل الزائر مليحة الواقعة في المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة، حتى يشعر بحنين جارف إلى زمن الماضي، مستعيداً أجواء عيش لحظاته التاريخية الخالدة، حيث يطالعك من نوافذ مركز مليحة للآثار، والذي يعد أحد أبرز مرافق مشروع مليحة للسياحة البيئية والأثرية، التابع لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق»، وجود هيكل مهيب لبناء دائري متمّيز، يتراءى بجلاله للناظر من الخارج، مشكلاً بدوره جزءاً متكاملاً مع تصميم المركز ذاته ومنسجماً مع طراز هندسته المعمارية، حتى تكتشف أن هذا البناء البديع، ما هو إلا مدفن يعود إلى فترة عصر أم النار، وأحد أكثر أبنية القبور أهمية في المنطقة، كونه شاهداً حياً يعطي دلالات واضحة حول طقوس الدفن التي كانت متّبعة عند ساكني المنطقة في العصر البرونزي، وهي الحقبة التي عرفت محلياً بفترة أم النار، والتي اكتسب المدفن اسمه منها.
حجرة القبر
يقع «ضريح أم النار» ضمن مركز مليحة للآثار، حيث يعتبر من أكثر أبنية القبور إثارة للإعجاب مقارنة بما اكتشف في مواقع الجنازات القديمة في منطقة مليحة وقد استُخدِم موقع الدفن هذا، والذي شُيِّد في تاريخ 2500 قبل الميلاد تقريباً لمدةٍ تقارب 500 عام، ويعتبر هذا القبر الدائري الذي يبلغ قطره 13.85 متر من أكبر القبور خلال مرحلة أم النار في جميع إمارات الدولة، وتنقسم حجرة القبر إلى نصفين، نصف شرقي ونصف غربي، حيث تم تقسيم كل جزء إلى أربع وحدات مع مداخل تصل كل حجرة بالأخرى.
وقد كان لاكتشاف كتلة حجرية مستطيلة الشكل «مشابهة لأبنية الضريح في حضارة مرحلة أم النار من العصر البرونزي المبكر»، الفضل في اكتشاف هذا القبر، وقد دفع هذا الاكتشافُ إلى المزيد من الحفريات التي قادت إلى كشف الغطاء عن موقع القبر من قِبَلِ فريق متحف الشارقة للآثار، ومن الاكتشافات المبهرة اللاحقة لذلك، المزراب الحجري الذي يُعتَقد أنه كان يستخدم لتصريف مياه الأمطار، كما وُجدت أحجارٌ أخرى أصلية من جدران القبر في حدائق النخيل المحيطة، وقد تم استخدامها لاحقاً في إعادة بناء وترميم القبر.