نوف الموسى (دبي)

عندما قيل للزوار في المعرض الدولي للفنون في بينالي البندقية 2019، إن الجناح الوطني لدولة الإمارات، يُقدم في الدورة الـ 58، عملاً تجهيزياً لامرأة إماراتية حضرت من دبي، يحمل عنوان «عُبور»، جاء البعض محملاً بأحكام مسبقة، وانطباعات عامة، وربما صور نمطية، إلا أنهم بدخولهم في التجربة الأقرب إلى عالمية طرحها الإنساني، بتأصيل متجذر من المكان المحلي، من خلال عمل فني تجسده القصيدة في أبهى صورها الشعرية ببعد سينمائي، فإن شعوراً بالدهشة تبلور لدى المتلقي، ما يضمن استشفاف وعي «التحول» الداخلي للمشاهد، كونه جزءاً من التمازج التبايني في جّل العناصر الإبداعية لعمل الشاعرة والمخرجة نجوم الغانم. جميعها تمثل جانباً من التصورات التي قدمها تيل فيلراث وسام بردويل، القيّمين الفنيين للجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية، ضمن برنامج «ليالي جميل الرمضانية»، مساء أول من أمس، في مركز «جميل للفنون» بمدينة دبي، عند سؤال جمهور الجلسة لهما: «كيف استقبل الزوار المحليون عمل نجوم الغانم، وهل أثار حضورها الأسئلة حول أُناس المكان في مجتمع الإمارات المحلي، المتفرد بتعددية ثقافاته، هل شعروا بالنفَسَ العالمي في الطرح المرئي، ومعضلة الأسئلة الوجودية، وتداخلها في مشهدية إشكالية الاغتراب والنزوح، وفعل شعور الانتماء؟!».
الاشتغال على أفكار نوعية قائمة على الفحوى الاجتماعي والتاريخي لمجتمع الإمارات، هي الرؤية الواضحة التي تم على أساسها تكوين العمل لـ «الجناح الوطني لدولة الإمارات»، كما أوضح سام بردويل، أثناء حديثه عن اختيار نجوم الغانم، كممثل للجناح عبر مشروعها «عُبور»، كونها امتداداً لـ «فضاء شعري»، فالأخير يمثل رمزية مهمة جداً لوجدان الإرث الثقافي المحلي، وأحد الأشكال الفنية الرئيسية في المنطقة. إلى جانب صناعاتها للأفلام، وقدرتها البديعة على سرد القصص. وتضمنت المرحلة الأولى من العمل مع الشاعرة نجوم الغانم، بحسب بردويل، بخوضهم متعة السفر معها نحو مختلف الملتقيات والمعارض الفنية، بحثاً من قبل سام بردويل وتيل فيلراث عن فهم عميق لأسئلتها الجوهرية، وطبيعة الموضوعات التي تود طرحها في العمل، سواء على مستواها الشخصي كفنانة، أو مع من تتواصل معهم في نفس الفضاء المشترك، من مواطنين ومقيمين، وماهية تأملاتها لمشهدية التحولات السريعة المتنامية في الإمارات، وطبيعة الهارموني المتداخل بين مختلف الثقافات والأعراف، وكيف يمكن أن تجد نفسها وسط هذا الكم الشعوري والحسي الهائل؟!
من بين إحدى التقنيات المهمة، المستخدمة في تشكيل المكون البصري، ما يعرف بالمسرح الملحمي «Epic Theatre»، لفت حوله سام بردويل، مبيناً أنه يركز على علاقة معينة بين الشكل والمحتوى، بتناقض فكرتين مع بعضهما البعض، كمثل أن تكسر الأداء الفني الخيالي، وتضع ما هو واقعي في وسط الأداء، وتعمل على إحداث عملية الاندماج. ويُطرح «الموضوع الجديد» فيه عبر التأثيرات الوثائقية وتفاعل الجمهور واستراتيجيات تطوير وصقل الاستجابات الموضوعية، ويهتم هذا المسرح بمنظور الجمهور وردات فعله، إبان الانخراط في العمل بشكل فردي. وجاءت مفاهيم مغايرة في الفيلم من مثل إنتاج «لغة جديدة»، في هذا الصدد، أوضحت الممثلة أمل حويجة، أثناء مشاركتها في المناقشة قائلةً: «أردنا أن نتحدث بلغة يفهمها العالم، ولكن لا يتحدث بها أحد، إلا من عاش فعلياً ألم الاغتراب والنزوح، فكان الحل أن نختار لغة «أمل» و«فلك»، إذا سمعهما العالم، فإنه بالتأكيد سيصدقهما».
مغمور تيل فيلراث بفضاءات الجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية 2019، وماهية التشكل الصوتي عبر 12 قناة صوتية، تنقسم فيها ساحة العرض إلى نصفين متماثلين بشاشة كبيرة، ارتفاعها 3 أمتار وعرضها 6 أمتار، تتصل بالأرض في حالة من الاكتمال التي يشعر فيها المتلقي بأنه جزء من القصة الإنسانية، وأنه يشهد آنياً منذ دخوله إلى جهة الجناح والخروج من الجهة الأخرى، عبوراً لفيلمين مختلفين ظاهرياً، بالمقابل فإنه يشهد جانبين من القصة نفسها، يُرى فيها شخص من المجتمع الإماراتي، وبنفس اللحظة مباشرةً وبصورة حيّة، يتداخل مع تجربته، ويمر من خلاله ويرتبط فيه، ويعتقد تيل فيلراث، أن قيمة العمل التجهيزي، في أنه يقدم حالة من التعاطف مع الأشخاص الذين لم نمر بتجربتهم، من خلال التوقف عن إطلاق الأحكام عليهم، ونحترم معاناتهم، باعتبارها حالة متفردة بهم.