مخرجون إماراتيون يتطلعون إلى مهرجان وطني خاص
يشهد يوم غدٍ الاثنين انطلاق الدورة التاسعة من مسابقة أفلام من الإمارات ببرامجها الأربعة: الأفلام القصيرة «مسابقة الإمارات»، والأفلام القصيرة «مسابقة دول مجلس التعاون الخليجي»، والأفلام الطويلة لمدة إجمالية للعرض 96 دقيقة، والأفلام الطويلة لمدة زمنية 100 دقيقة، وذلك في إطار مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي. ويتابع جمهور المهرجان 14 فيلماً في هذه المسابقة التي تقدم جهداً استثنائياً لعدد من كتاب السيناريو والمخرجين والممثلين بالإضافة إلى الكادر الفني في مجالات المونتاج والتصوير. لكن الأهم من ذلك هو ما كشفه عدد من المشاركين في المسابقة عن طموحاتهم في بناء سينما وطنية جديدة كبداية لطموح أكبر نحو سينما إماراتية طليعية تكون بمثابة الإرهاصة الأولى لتقديم مهرجان سينمائي وطني بمقاييس عالمية.
يتصدر المسابقة فيلم المخرجين أحمد عرشي وأحمد زين بعنوان «الجزيرة الحمراء في عيون السينمائيين»، ومدته 25 دقيقة من إنتاج 2009. وقال عرشي إن فيلمه هو رسالة عاجلة لحماية منطقة الجزيرة الحمراء في إمارة رأس الخيمة من مخاطر الهدم من أجل الاستثمار العقاري. وأضاف: نصور في الفيلم كيف استثمر عدد من المخرجين المحليين بيوت ومناطق الجزيرة لتصوير أفلامهم التراثية والروائية ومن ذلك فيلم «المفتاح» لأحمد زين. وأضاف عرشي الذي قدَم في المسابقة الماضية فيلماً مهماً بعنوان «الخطة» ورشح آنذاك لعرضه في مهرجان كان السينمائي، أن مشاركته وزملائه في المهرجان تمثل حوار التجارب مع السينما العالمية. وتابع: السينما الإماراتية من خلال المهرجان بدأت تتجه نحو الطليعية من خلال جوانب كثيرة من بينها إسناد مهمة التحكيم لعدد من المثقفين المحليين ومن بينهم على سبيل المثال المخرجة نايلة الخاجة وتعرف بأنها أول امرأة إماراتية عملت في حقل الإنتاج السينمائي.
حنان المهيري: حق الفروسية
المخرجة حنان المهيري وضمن البرنامج الثالث من المسابقة تعرض فيلمها الوثائقي ومدته 55 دقيقة بعنوان «حقنا في الفروسية» من إنتاج مؤسسة الإمارات وبدعم خاص من الدكتور سلمان الفهيم، وفازت معالجة الفيلم بإحدى جوائز التميز لعام 2008 والتي قامت بتنظيمها شركة موارد للتمويل. وسبق لها أن قدمت تجارب إخراجية عديدة من أهمها فيلم يحمل عنوان «امنحهم حياة جديدة» وفيلم «تحت العباية» وهو فيلم وثائقي طويل فاز بإحدى جوائز الدورة الماضية من المسابقة. وقالت حنان عن فيلمها أنه يحكي قصة ست فارسات إماراتيات قبلن بمواجهة التحديات اعتقاداً منهن بأن الذي لا يواجه التحدي لن يستطيع الوصول إلى أهدافه، وهنَ يؤمنَ بأن المرأة قادرة على المنافسة والنجاح في ميدان الفروسية. وأضافت أن الفيلم في جوانبه يتناول رؤية المجتمع الإماراتي للنساء اللواتي اقتحمن عالم هذه الرياضة، كما يكشف الفيلم عن العديد من الجوانب الأخرى لهذه الممارسة من خلال وجهة نظر الطب والدين والمهتمين حول ممارسة الفتيات لهذه الرياضة التي تلقى رواجاً شعبياً في الإمارات. وأعربت المهيري التي قامت أيضاً بعمل المعالجة الدرامية للفيلم عن سعادتها بالمشاركة في المسابقة والمهرجان وبينت أن «حقنا في الفروسية» ذو طابع إنساني ويحمل رسالة قابلة للمناقشة والمنافسة معاً.
جمعة السهيلي: مساء الجنة
من جانبه قال المخرج جمعة السهيلي أن فيلمه «مساء الجنة» ضمن البرنامج الأول هو إنساني بطابع سياسي. الفيلم مدته عشرون دقيقة من إنتاج 2009 لمجموعة أبوظبي للثقافة والفنون ومؤسسة الإمارات. وأوضح السهيلي أن الفيلم الذي يقوم ببطولته كل من محمد إسماعيل وحسن بلهون يحكي قصة جنديين من الإمارات قضيا أسبوعاً في إحدى الثكنات الحربية أثناء الحرب على العراق عام 1990. وخلال هذا الأسبوع يتحدثان معاً عن مشاعر الخوف والقلق والشجاعة والملل في مكان صحراوي معزول عن الحياة التي اعتادا عليها. ويرى أن فيلمه ليس نمطياً مما شاهدناه عن تلك الحرب كما أنه يتمتع بتقنيات جيدة على مستوى المونتاج لمجد قفعيتي والصورة لهاني السعداوي. في سياق ثانٍ عبر السهيلي عن إعجابه بمستوى التنظيم في المهرجان ومستوى توزيع الأفلام الإماراتية بمقابل الأفلام العالمية. وقال إن مسابقة أفلام من الإمارات تنقل في المهرجان صورة طيبة عن طبيعة الأفلام الإماراتية وبخاصة تلك التي تنقل تراثنا إلى العالم.
أحمد زين: مفاجأة المفتاح
المخرج أحمد زين صاحب فيلم «مفتاح» المشارك في المسابقة قال إن فيلمه مدته 12 دقيقة وسيعرض ضمن منافسات البرنامج الأول وهو من سيناريو علي جمال ومونتاج أحمد عرشي وموسيقى طاهر عجبي ويلعب الدور الرئيسي فيه الممثلة مريم سلطان. وأوضح أن فيلمه سيفاجئ الجمهور نظراً لعناصر التشويق وتقنية الصورة، ويحكي عن تفاصيل حياة فتاة صغيرة مع جدتها ضمن مشاعر إنسانية وتفاصيل كثيرة تبرز أهمية هذه المشاعر بين جيلين. وفي حوارنا معه قال إن وجود الفنانين الإماراتيين في المسابقة والمهرجان أمر طيب ومحفز لمزيد من الالتزام بتقديم سينما جديدة، والمهرجان يوفر خبرات واحتكاكات مع تجارب السينما العالمية والعربية بطريقة خلاَقة. وأضاف أن المهرجان وفر لنا حرية التعلم من الكبار ومنذ عام 2001 تاريخ انطلاق المسابقة ونحن نشهد تطوراً ملحوظاً في تجربتنا السينمائية. لقد بدأنا نطرق مفاهيم ومدارس سينمائية حديثة ومعاصرة ومع ذلك ما زلنا نطمح إلى سينما إماراتية خالصة على مستوى التقنيات والصورة وكافة نواحي العمل السينمائي.
هاني الشيباني: الفندق بدلاً من عيدية
المخرج هاني الشيباني كان من المفترض أن يشارك بفيلم بعنوان «عيدية ميثا» ولكن تم استبداله بفيلم له بعنوان «الفندق» وسيتم عرضه ضمن البرنامج الثالث يوم الثلاثاء المقبل وتجسد أحداثه كل من إشجان وعبد الحميد البلوشي وعبد الله الرشدي. أما المونتاج والموسيقى فنفذهما حاتم صلاح. وفي حوار معه قال إن رسالة فيلمه للجمهور تتحدث عن قسوة المدينة وكيف انعكست هذه القسوة على قلوب ساكنيها. ويرى الشيباني أن مسابقة أفلام من الإمارات قد تغيرت ملامحها بعد أن دخلت إطار المهرجان مع أنها كانت يوماً تمثل أول مهرجان سينمائي إماراتي. وأضاف: حالياً أفلامها قليلة ووضعها في المهرجان فقد الكثير من البريق والألق الخاص الذي كانت تتمتع به سابقاً. وعن المهرجان بشكل عام قال إنه ما زال محافظاً على مستواه من القوة والجماليات.
سلطان النيادي: المسابقة تقدم خبرات شبابية مميزة
بعيداً عن المخرجين، تحدث عضو لجنة التحكيم سلطان النيادي الذي حيا مشاركة السينمائيين الإماراتيين في هذه التظاهرة بشكل عام. وكان له رأي مختلف في أفلامهم، وقال في حوار معه إن معظم الأفلام المرشحة للمنافسة في مسابقة أفلام من الإمارات تقدم خبرات شبابية مميزة، لكن على مستوى الفكر والمضمون قد ابتعدت عن معالجة قضايا المجتمع والبيئة وهموم رجل الشارع، فهي تتناول قضايا فردية في بعض الأحيان. وأضاف: بالمجمل العام حظ المشاركين كبير، فقد وجدوا فرصة ثمينة من خلال المهرجان للاحتكاك بسينما العالم وعليهم استثمارها بجدية، وأرى أن هناك ظلماً لهذه الأفلام أن توجد مع سينما الكبار، وكنت أتمنى أن يُخصص لأفلامهم مهرجان وطني خاص بهم وبعد أن تُدعم تجربتهم بالخبرة يمكن انطلاقهم إلى كافة مهرجانات العالم. وعن المهرجان قال: هو وغيره من المهرجانات تشكل حالة سينمائية لإنعاش الحياة الثقافية وحوار التجارب.
بقيت الإشارة إلى أن هناك جملة من الأفلام المشاركة في المسابقة مثل «عبور» لعلي جمال، و»جفاف مؤقت» لياسر سعيد النيادي، و»الغرفة الخامسة عويجه» لماهر الخاجة، و»ياسين» لجمعة غيلان، و»همسات الخطيئة» لعبد الرحمن الخليفي، وجميع هذه الأفلام تمثل اتجاهات متنوعة في السينما المحلية والسينما الخليجية. وبمتابعة بعض العروض التي سبق أن تم عرضها في بعض المناسبات أو عروض خاصة يمكن القول إن أفلام المسابقة في الواقع هي أفلام جريئة ومطمئنة على صعيد الشغل السينمائي والتقنيات والتمثيل، كما تصدر لنا طاقات شبابية في مجال المونتاج وهو في تقديري من أهم عناصر صناعة الفيلم الناجح.
بعد أن فاز فيلمه «بنت مريم» بجوائز عديدة
المخرج الإماراتي سعيد سالمين المري حضور سينمائي متميز
مفيد نجم، يتصدر المخرج الإماراتي سعيد سالمين قائمة أسماء المخرجين الإماراتيين خصوصاً والخليجيين عموماً سواء من حيث عدد الأفلام الروائية القصيرة التي أخرجها حتى الآن وبلغت سبعة أفلام روائية بدأها بفيلمي «بقايا تراب» و»مسافر» عام 2004، وفيلم «بنت مريم» عام 2008، أو من حيث الرؤية الإخراجية والمعالجة الدرامية في تلك الأعمال التي كتب نصها السينمائي واستحق عليها العديد من الجوائز في مهرجانات السينما العربية والعالمية. وقد عمل المخرج مع مجموعة من السينمائيين الإماراتيين على تأسيس «مجموعة الرؤية السينمائية لإنتاج الأفلام الإماراتية» منذ عام 2004 بهدف تعزيز ودعم العمل السينمائي مما دفع بمؤسسة الإمارات لدعم إنتاج هذه المجموعة بحيث ساهم في تحقيق العديد من مشاريع الأفلام. ولعل هذه الرؤية في العمل الجماعي هي ما تميز الواقع السينمائي في الإمارات وتعطيه دفعاً قوياً نحو الأمام لا سيما بعد أن أعلنت حكومة أبوظبي في مهرجان الشرق الأوسط للسينما العام الماضي عن نيتها تخصيص المبالغ المادية المناسبة لإنتاج أحد عشر فيلماً سينمائياً مما يهيئ الظروف المادية والمعنوية لخلق قاعدة مادية لإنتاج سينمائي والفرصة لتحقيق السينمائيين الإماراتيين لأحلامهم وطموحاتهم السينمائية ما يجعلهم في طليعة دول الخليج من حيث الدعم والرعاية الرسمية لإيجاد صناعة سينمائية إماراتية متطورة.
إن أهمية المخرج لا تكمن في عدد الجوائز التي حصل عليها فيلمه الروائي القصيرة «بنت مريم» والتي بلغت حتى الآن 16جائزة في مهرجانات سينمائية عربية وعالمية، وحسب بل هي تتمثل في العمل المتواصل على إخراج فيلم روائي قصير كل عام ومحاولة تقديم سينما تُعنى بقضايا الواقع الاجتماعي الإماراتي بعين سينمائية، يظهر فيها التركيز على جماليات الصورة والصياغة السينمائية المختلفة. لقد شكل عام 2004 بداية انطلاق مسيرته السينمائية بفيلم «بقايا تراب» وفيلم «مسافر» ما يدل على الحماس الذي بدأ به تلك المسيرة وتنوع هواجس التجربة التي واصلها في العام التالي بفيلم جدران عن القضية الفلسطينية وفي العام التالي بفيلمين اثنين هما «عرج الطين؛ و»هبوب» وفيها يطرح موضوعات مستمدة من البيئة الإماراتية. وفي العام 2007 قدم فيلمه «الغبنة» واتبعه في العام التالي بفيلم «بنت مريم؛ الذي كشف من خلال الاستقبال الخاص الذي حظي به عرضه في المهرجانات السينمائية عن نضج التجربة وتطورها مما جعله يأتي في طليعة المخرجين الخليجيين والعرب من حيث عدد الجوائز التي نالها في مسابقات الأفلام القصيرة.
وإذا كان المخرج في حواراته السينمائية يؤكد أولوية دور المخرج في صناعة الفيلم السينمائي فذلك لأنه المسؤول عن تحريك جميع العناصر المشاركة في صناعة الفيلم من ممثلين وفنيين وكاميرا ومؤثرات خارجية بحيث يتحقق الانسجام والتكامل فيما بينها ويكون الفيلم مصاغاً برؤية سينمائية جديدة ومبتكرة تشكل إضافة حقيقية وتعبر عن وجود عين سينمائية مبدعة كما ظهر ذلك في فيلمه «بنت مريم».