القاهرة (الاتحاد)
ينتسب السلاجقة إلى السلجوق بن دقاق زعيم عشائر الغُزّ التركمانية، التي هاجرت واستقرت في بُخارى، وكانوا ذوي عُدَد وعَدد، استعان بهم الخليفة العباسي لصدّ البويهيين في بغداد، فأعد طُغْرُلبك أحد أحفاد سلجوق عدته وسار بقواته إلى إقليم خراسان، ودارت المعارك وانتصر طُغْرُلبك، واعترف الخليفة به سلطاناً على المناطق التي تحت يده.
ظل السلاجقة يتحينون الفرص حتى تمكنوا من تحقيق الانتصار على القوات الغزنوية في معركة «دندانقان» التي تعد واحدة من أكبر المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، وكان هذا إيذاناً بقيام دولتهم في العام 429هـ التي اعتلى عرشها طُغْرُلبك أقوى أفراد الأسرة وأكثرهم نفوذاً.
أصبح للسلاجقة كيان سياسي ورقعة كبيرة من الأرض وقويت شوكتهم وتوحدت كلمتهم وصفوفهم، ونجحوا في التمدد والتحكم في مقدرات الخلافة العباسية فزحفوا إلى جرجان وطبرستان والقضاء على حكم أنوشروان الزياري وضمهما إليهم، ودخلوا بغداد حاضرة الخلافة العباسية، وأصبحوا أكبر قوة في بلاد فارس وما وراء النهر، وسارع حكام باقي الأقاليم إلى إعلان الطاعة لهم، ودانت لهم السيطرة التامة عليها، وساروا إلى إقليم أذربيجان وتمكنوا من دخوله، وحاصروا أصفهان وضموها إلى حوزتهم، وتم تثبيت وإقامة دولة سلجوقية مترامية الأطراف تمتد من شمال الهند في الشرق إلى العراق في الغرب، ومن خراسان في الشمال إلى سيجستان في الجنوب واتخذوا من مدينة لاهور مقراً لحكمهم في الهند.
فطن السلاجقة إلى هدف الإمبراطورية البيزنطية التي أرسل قائدها جيشاً إلى الشام لوقف الفتح السلجوقي، وعسكروا في ملاذكرد، فتوجه السلاجقة بجيش والتحموا في معركة فاصلة انتهت بهزيمة ساحقة للبيزنطيين، ودخل السلاجقة حلب وحاصروا دمشق وأسقطوها، ومهدوا الطريق للقضاء على النفوذ الروماني في أكثر أجزاء آسيا الصغرى وبقية الأجزاء الشرقية من بيزنطة.
تأصلت الروح القتالية في السلاجقة، وزاد الاهتمام بالجيش ليزود عن بلادهم ويحقق سياسة دولتهم التوسعية في تكوين دولة عظمى، وأصبح لكل أمير من حكام الأقاليم جيش مدرب، ومُسلح، وتم إعداده بشتى العناصر التي كونت فرق المشاة والرماة ورماة المنجنيق، وأجادوا استخدام السيوف، كما اهتموا بسلاح الفرسان واشتهروا باستخدام القوس والرمح والسهام وأصبح الجيش أهم دعامة تقوم عليها دولتهم.
أرسى السلاجقة نظاماً إدارياً وقضائياً متيناً استطاعوا من خلاله إدارة دولتهم الشاسعة، فاتبعوا نظام اللامركزية في إدارة الولايات للمحافظة على مكاسبهم والإبقاء على دولتهم، فعينوا أميراً على رأس كل ولاية من أفراد البيت السلجوقي الذي استعان بعدد من الموظفين الذين اتصفوا بالسيرة الحسنة، يساعدونه في تسيير الأمور، كما اهتموا بالقضاء ووضعوا له نظاماً محكماً وجعلوه مستقلاً عن نظر الوالي.
برزت مشكلة التنازع على العرش السلجوقي بصورة هددت كيان الدولة وأحدثت انقساماً، وجلبت الصراعات، وأصابت الدولة بالوهن وعمتها الاضطرابات التي أدت إلى تفككها وتقلص نفوذها حتى زالت في النهاية.