محمد قناوي (القاهرة)

على مدار العقود الماضية، استطاعت الدراما التاريخية والدينية المصرية أن تحقق نجاحات كبيرة ارتبطت بشهر رمضان، حيث كان المسلسل الديني والتاريخي الحاضر الدائم علي مائدة الدراما الرمضانية، ولكن خلال السنوات الأخيرة أختفي هذا النوع من المسلسلات، إلى حد كبير، فعلى الرغم من تقديم أكثر من 25 مسلسلاً درامياً مصرياً في رمضان هذا العام، إلا أن المنتج المصري لم يقدم أية أعمال تاريخية أو دينية، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا اختفت أصولنا وعاداتنا وتاريخنا من الدراما؟ لماذا أصبحنا نبحث عن الدراما السهلة من دون هدف؟ لماذا اختفت المسلسلات الدرامية التاريخية والدينية؟ قبل الإجابة على هذه التساؤلات لا بد أن نشير إلى أن من أشهر كتاب الدراما التاريخية والدينية بمصر الراحل عبد السلام أمين، ومحفوظ عبد الرحمن، ويسري الجندي، وبهاء الدين إبراهيم، وغيرهم.

تكلفة مرتفعة
في البداية، يري الفنان حسن يوسف الذي قدم أكثر من مسلسل تاريخي وديني، منها «إمام الدعاة»، و«الإمام المراغي»، و«عبدالحليم محمود»، أن سبب تراجع إنتاج هذه النوعية من الأعمال يعود إلى تكلفتها الإنتاجية المرتفعة بالمقارنة بالأعمال الاجتماعية والكوميدية التي يقبل عليها الجمهور، كما أن الفضائيات العربية لم تعد تقبل على شراء هذه المسلسلات، مؤكداً أن التلفزيون المصري تراجع تراجعاً حاداً في إنتاج المسلسلات بصفة عامة والتاريخية والدينية بصفة خاصة، ولم يعد يهتم بها توفيراً لتكاليف إنتاجها، موضحاً أن المؤلفين لم يهتموا بالقراءة المتعمقة في التاريخ، وكل مؤلف يستسهل في الكتابة، وهذا ما يؤثر سلباً على مصداقية العمل.

تفوق سوري
أعرب الفنان أحمد بدير عن رغبته في ظهور العديد من المسلسلات التاريخية والدينية داخل خريطة دراما شهر رمضان الفضيل، وطالب بضرورة تدخل الدولة في دعم تلك المسلسلات التي تتطلب دعماً مالياً ولوجستياً كبيراً، ولكن غياب المسلسل التاريخي والديني أمر مزعج، ولأنهما يحتاجان لتكاليف كبيرة لا يستطيع أي منتج أن يراهن عليهما، ولذلك يجب أن تتدخل الدولة لعودتهما للساحة الدرامية، من خلال الدعم المالي أو اللوجستي علي الأقل.
وفسرت الفنانة مديحة حمدي التي قدمت عدة أدوار في الأعمال التاريخية والدينية أسباب الغياب، قائلة: هذه النوعية تعاني مشكلة مزمنة، وهي التمويل، فلا يوجد منتج يتحمل التكاليف الإنتاجية الضخمة التي تحتاجها، كما أننا لا نملك الإمكانيات الفنية التي تمتلكها الدراما السورية إخراجاً وتصويراً وإضاءة وأماكن تصوير وكومبارس وعناصر إبهار أخرى، إضافة إلى الدقة في اختيار أبطال الأعمال وشخوصها، مما جعل لها التميز والسبق بين كل الدول العربية فيما تقدمه من أعمال دينية.

مشكلة التسويق
ويعتبر المؤلف مصطفى محرم أن المشكلة الرئيسة وراء مأزق المسلسلات التاريخية والدينية هي التسويق والذي يلعب دوراً رئيساً في ذلك، فالجهات الإنتاجية تتعامل مع العمل الفني بمنطق المكسب والخسارة ولا يهمها البحث والإبداع، وهناك حرب تشنها الجهات الإنتاجية على كتاب المسلسلات التاريخية والدينية، ولا يهتمون بهم ويفضلون كتاب الدراما الاجتماعية والكوميدية الذين يحققون لهم مكاسب خيالية.
وأكد المخرج مجدي أبو عميرة، أن السبب الرئيس وراء اختفاء الدراما التاريخية والدينية يرجع في المقام الأول إلى تخلي الدولة عن الإنتاج بصفة عامة، ومن بينها المسلسلات الدينية التي عرفها المصريون خلال شهر رمضان تحديداً.
وأشار أبو عميرة، إلى أن المسلسل الديني أو التاريخي يحتاج إلى تكلفة عالية، وأن المنتج الخاص لن يتحمل هذه التكلفة الباهظة، لا سيما أنّ جمع الإيرادات في عملية البيع والتسويق غير مضمون.
واتفق معه المخرج هاني إسماعيل، قائلاً: تراجع الدولة عن الإنتاج الدرامي، ساعد على اختفاء المسلسلات التاريخية والدينية التي تحتاج إلى تكلفة عالية وديكورات وأماكن تصوير خاصة، لذلك فإن منتج القطاع الخاص لا يغامر ويفضل المسلسلات الاجتماعية الربحية.

تقلّص أعداد المؤلفين
كشف المخرج مصطفى الشال عن رفض «مدينة الإنتاج الإعلامي» إنتاج المسلسل الديني لأنها تخسر منه، وأن هناك توجها عاماً بعدم شراء المسلسل الديني أيضاً، على الرغم من أن المشاهد الذي يقبل على هذا اللون من الدراما موجود.
وشدد على أن المؤلفين للأعمال الدينية قد تقلصت أعدادهم، مع أنه يأخذ وقتاً كبيراً في الكتابة، ويمثل تكلفة بالنسبة له، لأنه يستعين بكثير من المراجع والكتب والوثائق الخاصة، ويحتاج لمجهود من أجل الربط بين الدراما الاجتماعية والدين.