عقد الرئيس الصيني هو جنتاو مؤتمراً صحفياً يوم الجمعة الماضي مع الصحفيين الأجانب، تمهيداً لافتتاح أولمبياد بكين التي لم يتبق لانطلاقتها سوى أسبوع واحد· ويمثل انعقاد هذا المؤتمر بحد ذاته حدثاً مهماً، بالنظر إلى أنه لم يسبق للزعيم الصيني أن عقد مؤتمراً كهذا مع الصحفيين الأجانب في عاصمة بلاده بكين طوال ما يقارب السنوات الست الماضية· وبالنظر إلى شدة الانتقادات التي وجهت إلى السلطات الصينية خلال الأسبوع السابق لافتتاح الأولمبياد، بسبب رقابتها لاستخدام الصحفيين الأجانب للإنترنت في القرية الأولمبية، فقد جاء انعقاد المؤتمر الصحفي امتداداً لجهود بكين الملتوية التي تبذلها في إطار محاولتها الوفاء بوعودها الأولمبية ذات الصلة بالانفتاح الصحفي خلال دورة الأولمبياد التي تستضيفها· وقد وجهت الدعوات الخاصة لحوالي 25 مؤسسة صحفية لحضور المؤتمر، وطلب منها تقديم أسئلتها التي ستثيرها فيه مسبقاً، وفقاً لإفادة أحد المشاركين· أما بقية المؤسسات الصحفية التي يفترض لها أن تشارك في المؤتمر، بما فيها صحيفة ''نيويورك تايمز''، فلم يعلن عنها حتى بدأت الشائعات تنتشر عنها يوم الخميس الماضي· ثم أعلن فجأة ناطق رسمي باسم الخارجية الصينية أنه لا يمكن تمديد قائمة المؤسسات المدعوة للمؤتمر، بسبب عدم توفر الوقت الكافي لتلقي المزيد من الأسئلة الصحفية· أما الرئيس هو جنتاو فلم يتحدث عن أي جانب له صلة بالأخبار، إنما كرس جزءاً كبيراً من الخطاب الذي ألقاه أمام المؤتمر للحديث عن روح الأولمبياد، وعن أهمية البعد عن تسييسها· أما عن الاقتصاد الصيني فوصفه بأنه سوف يواصل نموه الثابت السريع، إلى جانب محاولة السيطرة على جموح الأسعار· أما في الجانب الرياضي فكشف عن أن رياضاته المفضلة هي السباحة وتنس الطاولة، وتمنى لو أن يكون بوسعه الانضمام إلى الفريق الصيني المنافس في اللعبة الأخيرة بالذات· ولكنه أردف تلك الأمنية بالقول: ''لكنني وددت أن أقول لكم: طالما اكتملت منافسات اختيار الفريق الصيني المشارك في لعبة تنس الطاولة، وأعلنت أسماء أعضائه، فإنه ليس من سبيل لتحقيق رغبتي في الانضمام إليه''· وفيما لو جاءت هذه التعليقات عبر الوسائل الإعلامية الصينية الرسمية، لما حظيت بكل هذا القدر من التغطية الصحفية الأجنبية· والحقيقة أن الحزب الشيوعي الحاكم، ينظر إلى الدورة الأولمبية التي تنظمها بلاده، باعتبارها منبراً دولياً يستطيع من خلاله تقديم نفسه بصورة جديدة إلى العالم الخارجي· وطالما أن هذا هو الهدف، فكيف لا يغادر الزعيم الصيني صمته وتخفيه، ويخرج مباشرة لمخاطبة العالم الخارجي؟ إجابة عن هذا السؤال صيغ العنوان الرئيسي للدعاية الرسمية لمؤتمره الصحفي كما يلي: ''هو يتحدث إلى الصحافة الأجنبية''· وفي ظهر يوم الجمعة الماضي، وبعد مضي بضع ساعات على انعقاد المؤتمر الصحفي، نشر الموقع الإنجليزي لوكالة ''شينخوا'' الإعلامية الصينية الرسمية، خبراً رئيسياً عن تعليقات ''هو'' في المؤتمر· وتركزت صياغة الخبر على ظهور الرئيس في لقاء صحفي مشترك مع 25 مؤسسة صحفية أجنبية· وفي وقت لاحق، نشرت صورة مكبرة باسمة لـ''هو''، وهو يصافح الصحفيين الذين طلب منهم الوقوف في صف للترحيب به· ويفترض أن تكون الأولمبياد هذه لحظة الانفتاح الصيني الكامل على الصحافة الأجنبية· ومنذ العام الماضي أجرت السلطات الصينية تعديلاً في سياساتها إزاء التعامل مع الصحفيين الأجانب، بما ساعد على تذليل دخولهم وتحركهم فيها· وضمن التغييرات أصبح الكثير من المسؤولين أكثر انفتاحاً وحماساً لإجراء الحوارات مع الصحفيين الأجانب· لكن وعلى رغم التقدم الذي أحرزته بكين في هذا المجال، فإن مسؤوليها لا يزالون على تمسكهم بمواقفهم الدفاعية التقليدية، الرافضة لقبول أي انتقادات موجهة إلى الحكومة، في عام شهد سلسلة من الاضطرابات وقمع السلطات الرسمية لمظاهرات الاحتجاج التي شهدها إقليم التبت، إضافة إلى الزلازل الأرضية المدمرة التي ضربت أنحاء من البلاد· وكانت السلطات قد عرقلت تحركات الصحفيين الأجانب، بل منعت تقريباً دخولهم إلى المناطق التي عمتها الاحتجاجات· وما أن اضطرت السلطات لاحقاً للسماح بدخولهم، حتى شددت رقابة صارمة على تحركاتهم وعملهم· فلم يسمح إلا بدخول الصحفيين المدعوين مسبقاً، ونظمت لهم رحلات إلى ''لهاسا''، عاصمة إقليم التبت المضطرب· وجرى اعتقال عدد من الذين حاولوا إجراء تحقيقات صحفية مستقلة عن انقضاض السلطات على المحتجين وقمعهم· وخلافاً لذلك، حظيت الزلازل التي ضربت الصين في الثاني عشر من مايو المنصرم، بانفتاح صحفي أكبر، إلا أنه سرعان ما صدت الأبواب بمجرد بدء نشر التغطيات الصحفية الناقدة لاستجابة الحكومة لها· يذكر أن القرية الأولمبية كانت قد أعلنت أصلاً باعتبارها جزيرة للانفتاح الصحفي· ووعد ''جاك روج''، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، بتوفير حرية كاملة لاستخدام شبكة الإنترنت، في دولة أغلقت فيها الكثير من المواقع الإلكترونية المناوئة للنظام· ومن جانبهم وعد منظمو الأولمبياد بتوفير حرية وامتيازات كاملة لمجموع الصحفيين المشاركين في تغطية الأولمبياد، البالغ عددهم 20 ألف صحفي، لا تقل عن تلك التي ينعمون بها في أي دولة أخرى غير الصين· غير أن بعض الحقائق المنافية لتلك الوعود، بدأت تظهر على سطح الجزيرة الأولمبية· فقد أغلقت الجهات المنظمة للأولمبياد بعض المواقع الإلكترونية الخاصة بإقليم التبت، وبطائفة ''فالون جونج'' المحظورة، إلى جانب إغلاق المواقع الخاصة بتايوان، وعدد من صفحات منظمة العفو الدولية، وكذلك موقع ''إذاعة آسيا الحرة'' وغيرها· وتعد هذه الممارسات شائعة وروتينية في الصين، وإن ارتخت الرقابة المستمرة على الشبكة في بعض الأحيان· وفي الوقت الذي شاعت فيه مشاعر الغضب والإحباط بين الصحفيين الأجانب الذين وصلوا إلى الجزيرة الأولمبية، فقد بدأ في الجانب الآخر تبادل الاتهامات واللوم بين أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية، ومنظمي أولمبياد بكين· جم ياردلي- بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''