في خطابه بجامعة القاهرة خلال شهر يونيو الماضي، تعهد الرئيس أوباما «بتوسيع برامج التبادل الثقافي والزيادة في عدد المنح كتلك التي جاءت بوالدي إلى أميركا»، والحقيقة أنه لا يوجد مكان أفضل لتحقيق هذا الهدف وتطبيق برنامج للتبادل الثقافي والتعليمي مثل العراق الذي يحتاج أبناؤه للفرص التعليمية، التي يمكن للجامعات الأميركية توفيرها. فقد انطوت تجربة الدراسة في الولايات المتحدة على فائدة كبيرة بالنسبة لقادة العراق الحاليين الذين تسنى لهم متابعة دراستهم في الجامعات الأميركية، وهي تجربة مفيدة أيضاً بالنسبة للأجيال الحالية على المدى البعيد لدعم التطور الاقتصادي والدبلوماسية العامة ولكسب عقول وقلوب الشعب العراقي، لكن رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الولايات المتحدة لتعزيز الاستقرار الأمني والاستثمار في الديمقراطية وترسيخ أسسها، لم يستفد سوى عدد محدود من العراقيين من فرص الدراسة في الولايات المتحدة. وللمقارنة فقط مع برنامج التبادل الثقافي خلال الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفييتي، تبادل الطرفان 50 ألف مواطن من كلا البلدين على مدى 30 عاماً، وهو ما أفرز نخبة من المتعلمين الروس في الغرب دافعت عن الديمقراطية، ولعبت دوراً حاسماً في انفتاح مجتمعاتها على القيم الليبرالية. وفي العراق يتوق الشباب من الرجال والنساء للحصول على فرصة الدراسة في الجامعات الأميركية، ولا زالت أذكر أني عندما زرت العراق في 1 أغسطس الماضي، وتفقدت جامعة صلاح الدين بشمال العراق، اقترب مني العديد من الطلبة، وعبروا لي عن رغبتهم في متابعة دراستهم بالولايات المتحدة، بل إن أحد الآباء قال إنه مستعد لبيع منزله لتمويل دراسة ابنه في أميركا. وقبل أربع سنوات وفي عز الحرب الطائفية، غامرت مجموعة من الطلبة العراقيين وقدموا إلى الأردن للمشاركة في برنامج للتبادل رعته جامعة ستانفورد وأشرفت على تنظيمه شخصياً. وإدراكاً من المسؤولين العراقيين لأهمية إرسال الطلبة إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراساتهم العليا خصص البرلمان العراقي مليار دولار لتمويل دراسة 50 ألف طالب عراقي في الجامعات الأجنبية، كما أخبرني العديد من المسؤولين الأكراد خلال الصيف الجاري أنهم بصدد رعاية عدد أكبر من المنح وبرامج التبادل الأكاديمي يستفيد منها الطلبة العراقيون، بيد أن هذه المساعي تتطلب مساعدة من الولايات المتحدة لإنجاح هذا الجهد واستكماله، وفي هذا السياق يتعين على الرئيس أوباما والكونجرس اتخاذ ثلاث خطوات أساسية لتوسيع برامج التبادل الثقافي مع العراق تتمثل في: - تسهيل عملية إصدار التأشيرات للطلبة العراقيين، بحيث يتطلب حالياً الحصول على التأشيرة وإنهاء معاملتها انتقال العراقيين إلى البلدان المجاورة مع ما يستتبع ذلك من تكاليف ومخاطر أمنية، هذا فضلا عن القصص الحزينة حول تأخر التأشيرات، أو عدم إصدارها أصلا، وهنا يتعين على واشنطن السماح للطلبة باستكمال إجراءات التأشيرة داخل العراق وتقريبها من المستفيدين حتى لو اقتضى الأمر إقامة مكاتب خارج بغداد لاستيعاب أعداد الطلبة المتزايد. - التنسيق مع الجامعات الأميركية لخفض الرسوم الدراسية بالنسبة للطلبة العراقيين الراغبين في الالتحاق بها، وعلى وزارة الخارجية الأميركية العمل سوياً مع المنظمات العراقية غير الحكومية ورجال الأعمال والجامعات الخاصة لتلبية الطلب المتزايد على تعلم اللغة الإنجليزية ودراسة طلبات المنح التي يتقدم بها الطلبة، وبتلك الخطوتين يقول «أحمد ديزاي»، مدير العلاقات الثقافية في وزارة التعليم العالي بحكومة إقليم كردستان يستطيع أكثر من مئتي طالب عراقي استكمال دراستهم في الولايات المتحدة. - يتعين أيضاً دعم الجامعة الأميركية في العراق التي لم تتلق سوى عشرة ملايين دولار من واشنطن، رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الحكومة العراقية على المشروع. فقد تحولت تلك المؤسسة التعليمية التي تتخذ من مدينة السليمانية مقراً لها إلى إحدى الجامعات المهمة في مجال الآداب بالمنطقة كما لفتت انتباه العديد من الطلبة، وبتوفير مصادر تمويل إضافية لهذا الصرح التعليمي تستطيع الجامعة استقطاب المزيد من الأساتذة الأميركيين لتدريس اللغة الإنجليزية وباقي المواد وفي نفس الوقت انفتاح الأميركيين على التاريخ والثقافة العراقيين والتعلم منهما. وأخيراً من المهم التذكير أن عدداً لا يحصى من الطلبة العراقيين يتوقون لاستكمال دراستهم في الجامعات الأميركية وتطبيق ما تعلموه لدى عودتهم إلى العراق، لذا فإنه من شأن الاستثمار في التعليم إعادة تشكيل التركة الأميركية في العراق من خلال فتح آفاق واعدة وتوفير فرص جديدة للعراقيين، وربما الأهم من ذلك فتح طاقة الأمل في مستقبل أفضل. شنابر كاستيراس باحث سابق بمركز الأمن الدولي والتعاون التابع لجامعة ستانفورد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»