85% من الأهالي يجهلون أهمية التفكير الإبداعي
توصلت دراسة تربوية وضعها صالح الجرمي، معلم اللغة العربية ومدرب مهارات التفكير بمنطقة أبوظبي التعليمية، والحائز على جوائز الدولة التربوية كافة، كانت بعنوان «أثر الأسرة في تنمية مهارات التفكير لدى أبنائها»، إلى الوقوف على الأسباب الكامنة وراء اضمحلال عدد من مهارات التفكير لدى شرائح عدة من طلاب المرحلة الابتدائية، والدور الذي تلعبه الأسرة في ذلك، حيث شملت عينة الدراسة 65 أسرة من أسر طلاب الحلقة الأولى، حرص الجرمي خلالها على أن يأخذ بعين الاعتبار أن تكون نوعيات الأسر متنوعة، وأن تشمل جميع الشرائح والمستويات الأكاديمية، حيث تم أخذ العينة من أصل 150 أسرة، وشكلت العينة ما نسبته 43 في المائة من مجتمع الدراسة.
وقد افتتح الباحث دراسته بالقول: «مما لا شك أن الكل يعيش في زمن أضحى فيه التفكير وعملياته ومهاراته المختلفة بمثابة هواء العصر الذي يتنفسه الإنسان بشتى طبقاته الفكرية والعُمرية، حيث التغير السريع والمطرد للعلوم والمعارف والمفاهيم وتضاعف الإنجازات العلمية بمختلف أنواعها».
أزمة المناهج التعليمية
يتابع الباحث مسترسلاً: «لذلك جنحت المدارس التربوية بكافة مشاربها إلى الاهتمام بالتفكير وتنميته بدلاً من حشو دماغ الطالب بالمعارف فقط دون إعمال الفكر، إذ أنه، وكما هو مسلَّم به، لابد للتفكير من معارف، ولابد للمعارف من تطوير وتوسيع لمجال الإدراكي، فالمعارف تبقى قديمة على الدوام، إن لم تقترن بنوع من التطوير والتوسيع وإعمال الفكر والتفسير المنطقي للمواقف وحل المشكلات المختلفة». بعد ذلك عمد الجرمي إلى توصيف أهداف دراسته قائلاً: «لما كان هذا الموضوع على هذه الدرجة من الأهمية، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة المحيطة، من حيث إنها تلعب دوراً هاماً في تنمية مهارات التفكير لدى النشء، فقد أظهرت دراسة تربوية حديثة الدور السلبي لكثير من الأسر في تنمية مهارات التفكير لدى أبنائها، بل إنها تعيق ذلك النمو من خلال عوامل شتى من أهمها: إهمال حث أبنائها على القراءة، وضعف التواصل والتنسيق مع المدرسة، وإهمال تشجيع الابن على السلوك الاستقلالي وعدم الاهتمام بتعريض الابن لبعض المشكلات، وبالتالي متابعته في كيفية حله لها، وإهمال إفساح المجال له للتعبير عن الذات من منطلق عدم الثقة فيه، إضافة إلى جهل بعض أولياء الأمور بمفهوم التفكير ومهاراته.
دور الأهل
استند صالح الجرمي في دراسته إلى استبيانات مدروسة بدقة، وبأسلوب علمي وزعت على الأسر المستهدفة وفرغت بياناتها للوصول إلى النتائج المرجوة ومحاولة الوقوف على الأسباب التي تعيق مهارات التفكير، وتضعف نمو القدرات العقلية لدى الطالب داخل أسرته، ومن أهم ما كشفته النتائج أن 23 في المائة من عينة الدراسة فقط يتواصلون مع المدرسة باستمرار، وأن 66 في المائة من الأسر يعملون على التوافق بين المدرسة والبيت من ناحية التربية، إضافة إلى أن 17 في المائة فقط هم من يحرصون على تنمية حب القراءة لدى أبنائهم، و15 في المائة من هم على دراية بموضوع التفكير الإبداعي، و25 في المائة من الأسر هي التي تهتم بانتقاء ألعاب أبنائهم من النوع الذي ينمي الإبداع.
المشاكل الأسرية
كما أشارت الدراسة إلى وجود معوق آخر من معوقات تنمية التفكير مرتبط بعدم تشجيع الفئة الأكبر من الأسر لأبنائهم على السلوك الاستقلالي وسمات التحرر، حيث بلغت نسبة المهتمين بذلك 29 في المائة فقط من العينة، هذا علاوة على أن أكثر من 63 في المائة من الأسر لا تراعي حل مشكلاتها بعيداً عن الأبناء وهذا عامل مثبط للإبداع لأنه يفقد الطالب الشعور بالأمان والطمأنينة، كذلك وضح من الدراسة أن 28 في المائة فقط هم من يتابعون أبناءهم خارج البيت ولا ينشغلون عنهم، في حين أكد 32 في المائة من أولياء الأمور أن ممارستهم مع أبنائهم تربوية وسليمة وفقا لقواعد التربية، بينما نجد أن 76 في المائة يهتمون بالجانب الديني وحث الطالب على الصلاة.
هواء العصر
أوضح صالح الجرمي في دراسته أن تعلم مهارات التفكير بشكل عام ومهارات التفكير الإبداعي بشكل خاص، يعتبر اليوم بمثابة الهواء الذي يتنفسه العالم وقال في هذا الشأن: تهدف المدارس من وراء تعليم التفكير لطلابها إلى تنمية وتوسيع مداركهم وتطوير مواهبهم من أجل مساعدتهم على مواجهة حياتهم مستقبلاً، والتعامل مع مختلف المشكلات، إذ أنَّ تعليم التفكير يمنح الطالب الثقة بالنفس، لذا فإنَّ الدراسة كانت مطلباً ملحاً، ونتائجها تصب في مصلحة الطالب، وخاصة بعدما لوحظ تأثر المستوى التفكيري لبعض الطلبة بشكل سلبي في ظل جهود المدرسة النموذجية في تنمية تلك المهارة، مما دفعه للبحث في الأسباب الأسرية وراء ذلك وبالفعل ظهر من خلال تلك الدراسة مدى الحاجة الملحة لتوعية الأسرة بشكل جيد، وعبر الطرق السوية والسلوكيات التربوية التي يجب أن تنتهجها مع الأبناء لتساهم في دعم تفكير الطالب وتنميته وليس العكس، لذا أوصت الدراسة بتشجيع نزعات الإبداع لدى الطالب واحترام أسئلته مهما كان نوعها والاهتمام بالتواصل المستمر مع المدرسة، مع ضرورة حرص الآباء على تنمية ذاتهم في مجال التربية، وحث أبنائهم على القراءة والاطلاع منذ الصغر. كما وجه الباحث أولياء الأمور إلى ممارسة الأساليب العلمية والتربوية في معاملة الأبناء، مشيراً إلى أنه يحسب لغالبية الأسر في عينة الدراسة رفضهم لاستخدام العقاب البدني مع أبنائهم إذا أخطؤوا، وفي هذا السياق أكد الجرمي على ضرورة حل المشكلات الأسرية بعيداً عن الأبناء، وأن يعطى الابن الثقة بالنفس واحترام خياله وأفكاره وانتقاء ألعابه بشكل صحيح يفيده، وينمي ملكة الخيال لديه.
آثار ميدانية
اهتم صالح الجرمي بعد صدور نتائج تلك الدراسة، وباعتباره مدرسا ومدرباً لمادة التفكير بجانب مادة اللغة العربية، بتنظيم دورات تدريبية للأسر ليزيد من وعيهم بكيفية دعم أداء أبنائهم حيث قدم عشرات الدورات والمحاضرات التربوية في مدارس المنطقة والمؤسسات والمراكز المختلفة للآباء والأمهات وشرائح واسعة من المعلمين والمعلمات في كيفية منح الثقة للأبناء وطرق التربية بالحب، وأساليب إنشاء الأطفال المبدعين، وطرق تعامل أولياء الأمور مع مشكلات أبنائهم السلوكية، وفنون التعامل مع الآخرين، ومهارات حل المشكلات، إضافة إلى دورات في برامج التفكير المختلفة، وذلك من قناعة الباحث بأن كل أسرة ترغب في تميز أبنائها، ولكن قد يحتاج بعضهم للطرق التي تهديهم لذلك، مشيراً إلى أن كثافة الحضور للدورات أكدت دائماً ذلك الاهتمام من قطاع كبير من الأسر.
المصدر: أبوظبي