محمد إبراهيم (الجزائر)
يتجه المجلس الدستوري الجزائري لإعلان استحالة تنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة في 4 يوليو المقبل، بسبب عدم تقدم أي مرشح بملف ترشحه حتى غلق باب الترشح في منتصف ليلة السبت - الأحد. وأعلن أمس حزبا التحالف الوطني الجمهوري وجبهة المستقبل انسحابهما من خوض الانتخابات، رغم أنهما سحبا أوراق الترشح. وقالت مصادر سياسية لـ«الاتحاد»: إن الأمور تتجه إلى إصدار إعلان دستوري للسماح بمخرج دستوري لتأجيل الانتخابات، مضيفةً أن قيادة الجيش ترفض تعطيل العمل بالدستور لما له من آثار سلبية تنعكس على البلاد.
وقالت المصادر: إن الإعلان الدستوري يهدف إلى تمديد بقاء الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح في الرئاسة بعد 9 يوليو المقبل، حيث ينص الدستور الحالي على أن مدة بقاء الرئيس المؤقت هي 90 يوماً. وتوقعت المصادر أن تجرى الانتخابات الرئاسية بين شهري أكتوبر وديسمبر المقبل، موضحةً أنها «ستكون انتخابات مفتوحة لكل الأطياف السياسية، ولكن سيكون هناك إجماع على شخص مرشح لقيادة البلاد في الفترة المقبلة». وقال حزب التحالف الوطني الجمهوري الجزائري، في بيان له أمس، إن قرار تعليق مشاركته مبرر باعتبارات شعبية ودستورية وقانونية وسياسية، معتبراً أن رفض شرائح كبيرة من الشعب الجزائري للإطار الذي ستتم فيه الانتخابات وعدم اكتمال الآليات الدستورية والقانونية المنظمة للانتخابات (الهيئة العليا للإشراف والرقابة وتعديل قانون الانتخابات)، بالإضافة إلى غياب التوافق السياسي لدى أغلبية الفاعلين في الساحة الوطنية، من شأنه أن يجعل من هذا الموعد فرصة أخرى ضائعة للحل وربما سبباً إضافياً لتأزيم الوضع.
وأشار الحزب إلى أنه استوفى الشروط القانونية للترشح، من خلال جمع 731 استمارة توقيع شخصي، خاصةً بأعضاء البرلمان والمجالس البدلية المنتخبين من 33 ولاية. ودعا الحزب إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات قبل الانتخابات الرئاسية منها تشكيل حكومة كفاءات وطنية بقيادة شخصية مستقلة وتوافقية، ومعالجة إشكالية عدم شرعية رئيس المجلس الشعبي الوطني، وتنصيب هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، وتعديل بعض مواد قانون الانتخابات، ضمن رؤية مرنة للأجندة الانتخابية، والتي تتطلب تأجيل الانتخابات الرئاسية لبضعة أسابيع وفق ما يتيحه نص وروح الدستور. وجدد الحزب تمسكه بالحل الدستوري والانتخابي، مؤكداً أنه يتقاسم الموقف الوطني الذي يتبناه طرف الجيش، باعتبار أن إجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن وتنظيم الحراك الشعبي ورفضه لكل تدخل أجنبي بالإضافة إلى رفض بعض المطالب غير العقلانية، من شأنه أن يضع حداً لإطالة أمد الأزمة ويمكن من تفادي الوقوع في فخ الفراغ الدستوري الذي سيدفع بالبلاد إلى حالة الانسداد.
من جانبه، قال حزب جبهة المستقبل الجزائري إن «قيادة الحزب قررت عدم إيداع ملف الترشح للرئاسيات بسبب التطورات الأخيرة التي عرفتها الساحة السياسية، خاصة في ظل وضع عام استثنائي أثر على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد». وبرر الحزب قراره بـ«الجمود الذي يسود ويدفع إلى انعدام التحضير الحقيقي والجدي لهذه المحطة المهمة، وكذلك عدم تشكيل اللجنة المستقلة المطلوبة لضمان شفافية ونزاهة الانتخابات عبر كامل مراحلها وانعدام التنافسية السياسية المطلوبة لإضفاء الجو الديمقراطي لهذه الرئاسيات وعدم جاهزية الظروف والأجواء الشعبية التي تدفع بالمشاركة الفعالة والمطلوبة من هذه العملية، وعدم تجسيد الحوار الذي نادت إليه مؤسسة الجيش».
وكانت وزارة الداخلية الجزائرية قد أعلنت أنه حتى يوم الخميس الماضي سحب 77 مرشحاً محتملاً استمارات الترشح للرئاسة بينهم 3 أحزاب، إلا أن أياً منهم لم يقدم أوراقه كاملة حتى موعد غلق باب الترشح. وتنص المادة 140 من قانون الانتخابات الجزائري على أن «التصريح بالترشح يجب أن يودع في ظرف 45 يوماً -على الأكثر- التالية لنشر المرسوم الرئاسي المتضمن استدعاء الهيئة الانتخابية»، كما تنص المادة 141 من قانون الانتخابات على أن المجلس الدستوري «يفصل في صحة الترشيحات لرئاسة الجمهورية بقرار في أجل أقصاه 10 أيام كاملة من تاريخ إيداع التصريح بالترشح». وكان الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح قد وقع يوم 9 أبريل الماضي، هذا المرسوم الرئاسي المتضمن استدعاء الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية، ونشر يوم 10 أبريل الماضي في الجريدة الرسمية.
وتتضمن الأوراق المطلوبة للترشح قائمة بـ600 توقيع فردي من أعضاء منتخبين بالمجالس الشعبية المحلية، أو البرلمان بغرفتيه موزعين على 25 ولاية على الأقل، أو بقائمة تضم 60 ألف توقيع فردي على الأقل لناخبين مقيدين في القوائم الانتخابية من 25 ولاية على الأقل بحد أدنى 1500 توقيع من كل ولاية.
وتتضمن الأوراق أيضا شهادة الجنسية الجزائرية الأصلية للمعني، وتصريح شرفي يؤكد أن ديانته الإسلام، وتصريح علني حول ممتلكاته الثابتة والمنقولة داخل وخارج البلاد، وشهادة المشاركة في ثورة أول نوفمبر 1954 للمرشحين المولودين قبل يوليو 1942، وشهادة عدم تورط والدي المرشح المولود بعد الأول من يوليو 1942 في أعمال معادية للثورة.
ويرى الدكتور عبدالرزاق صاغور، المحلل السياسي الجزائري، أن الانتخابات الرئاسية المقررة في 4 يوليو باتت في حكم الملغية. وقال صاغور لـ«الاتحاد»: «لا يمكن إجراء انتخابات دون مرشحين، ودون تشكيل الهيئة الوطنية للإشراف على الانتخابات». وأضاف: «الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع رئيس الأركان في آخر خطاب له الأسبوع الماضي، طالب بتشكيل هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، وهو ما لم يحدث حتى الآن، فكيف يمكن إجراء الانتخابات؟». وأشار إلى أن الإشراف على الانتخابات يبدأ بتنقية القوائم الانتخابية وهي عملية انتهت بالفعل، وكذلك الإشراف على سحب وتلقي أوراق المرشحين، وهي العملية التي انتهت أمس، أي أن هناك خطوتين لم تشرف عليهما الهيئة. وقال: «هناك عقبة أخرى، كيف سيجمع المرشحون التوقيعات اللازمة للترشح في ظل الحراك ووجود الملايين في الشوارع للمطالبة بعدم إجراء الانتخابات؟». وأضاف أنه يجب الاستناد إلى المواد 7 و8 من الدستور لإيجاد مخرج دستوري للأزمة الحالية. وتنص المادة 7 من الدستور على أن «الشّعب مصدر كلّ سلطة.. السّيادة الوطنيّة ملك للشّعب وحده»، بينما تنص المادة 8 على أن «السّلطة التّأسيسيّة ملك للشّعب.. يمارس الشّعب سيادته بواسطة المؤسّسات الدّستوريّة الّتي يختارها.. يمارس الشّعب هذه السّيادة أيضاً عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثّليه المنتخَبين.. لرئيس الجمهوريّة أن يلتجئ إلى إرادة الشّعب مباشرة».