أحمد مراد (القاهرة)
مكسيم رودنسون، مؤرخ وعالم اجتماع فرنسي شهير، ولد في باريس سنة 1915 لأسرة أصولها يهودية، حصل على شهادات جامعية عدة، منها شهادة في اللغات الشرقية، وأخرى في علم الاجتماع، ودكتوراه في الأدب، ويلقب بـ «الموسوعة اللغوية»، حيث كان يعرف قرابة ثلاثين لغة قديمة وحديثة بما فيها اللغة العربية.
قضى 7 سنوات في بلاد الشام أثناء الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان، وعكف على دراسة تاريخ الدين الإسلامي، وأصدر مجموعة من الكتب في مجال الدراسات الإسلامية، منها كتاب «سحر الإسلام»، الذي تُرجم إلى العربية بعنوان «روعة الإسلام»، وكتاب «محمد»، ومن أعماله الأخرى المترجمة إلى اللغة العربية: «العرب» و«الإسلام: سياسة وإيمان».
وجاءت أهم الشهادات المنصفة للإسلام التي سجلها مكسيم رودنسون في كتاب «سحر الإسلام»، وفيها يقول: «أصبح الناس - في الوقت الذي نتكلم عنه - يستطيعون رؤية الدين بنظرة محايدة»، بل بشيء من التعاطف، ولعلهم كانوا يبحثون فيه بصورة لا شعورية «ويجدون فيه بالطبع» نفس قيم الاتجاه العقلاني الجديد، ففي القرن السابع عشر انبرى كثير من الكتاب للدفاع عن الإسلام ضد الإجحاف الذي ناله في العصور الوسطى وضد مجادلات المنتقصين من قدره، وأثبتوا قيمة وإخلاص التقوى الإسلامية.. وانتقل الجيل التالي من الموضوعية إلى مرحلة الإعجاب، فكان ينظر إلى الإسلام كدين عقلاني بعيد كل البعد عن العقائد المخالفة للعقل، ثم إنه وفق بين الدعوة إلى حياة أخلاقية وبين حاجات الجسد والحواس والحياة في المجتمع، وخلاصة القول فهو کدين كان قريباً جداً من الدين الطبيعي الذي كان يعتقد به معظم رجال عصر التنوير».
كما يقول مكسيم رودنسون: «ظهر الإسلام لبعض أولئك اليساريين الأوروبيين على أنه في جوهره عامل «تقدمي» بطبيعته، بل أعتنق بعضهم ذلك الدين الإسلامي، وفي أكتوبر 1965 أشاد مجلس الفاتيكان المسكوني بالحقائق التي جاء بها الإسلام والتي تتعلق بالله، ولقد أعجب البعض بالقيمة الروحية الدينية الإسلامية وأزعجتهم مواقف الظلم التاريخية التي وقفتها شعوبهم من الإسلام».
ويشيد مكسيم رودنسون بإسهامات الحضارة الإسلامية وعلمائها في خدمة الإنسانية بقوله: «من وجهة النظر الفكرية نجد أن كبار المؤلفين المسلمين الذين كان اكتشافهم قوة تجديدية أصبحوا يتمثلون»، «ويهضمون» بصورة تدريجية، ويدمجون ضمن الثقافة العامة، وخلال عدة قرون نجد أن ابن سينا وابن رشد والغزالي في الفلسفة وابن سينا والرازي في الطب ومؤلفين آخرين، نجد هؤلاء يُقَلدون وتعاد طباعة أعمالهم ويعلق عليها وتدرس».
ويقول أيضاً: في العام 1180، اكتملت المجموعة الأولى من مؤلفات ابن سينا الفلسفية وأخذت تروج في أوروبا وكان تأثيرها بالغاً، وتبعها ترجمات لفلاسفة آخرين بتلاحق سريع.. وقد أخذت تتشكل في أذهان المفكرين الغربيين صورة أخرى للعالم الإسلامي بوصفه مهداً لفلاسفة عظام، وكان تلك صورة مضادة تماماً للصورة السابقة، صورة الكيان السياسي الذي يسيطر عليه دين معادٍ ومغلوط، وهي الصورة التي خلقتها الخرافات السخيفة والكريهة في أذهان الناس.. وأظهرت الترجمات اللاتينية لمؤلفات المسلمين تدريجياً، وانتشرت ثروة الإسلام العلمية بحيث وصلت إلى إنجلترا واللورين وساليرنو، وخصوصاً إلى إسبانيا، حيث كان الاتصال يجري بسهولة أكثر».