«أسطورة الجاز» آل جارو يسافر بالناس بعيداً ويعزف على أوتار مشاعرهم
في ليلة من ليالي مهرجان أبوظبي 2011 الذي عرف نجاحا كبيرا وحقق إمتاعا لجمهور من نوع خاص تفاعل مع الفن الراقي والهادف، قدم المهرجان، الذي يقام تحت رعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أمسية متميزة من أمسيات الإبداع والفن والموسيقى العالمية ليلة أمس بقصر الإمارات، بعنوان «جذور الجاز».
كان أسطورة الجاز الأميركي آل جارو، الذي يعد أحد أعظم مغنّي الجاز في العالم، والحاصل على جائزة جرامي الموسيقية العالمية سبع مرات، أمسية موسيقية استثنائية. والمعروف أنه صاحب بصمة خاصة بأدائه الارتجالي على المسرح في عالم موسيقى الجاز. الأمسية حضرها عدد من المسؤولين وأعضاء السلك الدبلوماسي وضيوف المهرجان وحشد من الإعلاميين وجمهور غفير، تفاعل مع إيقاعات موسيقى الجاز والأداء الساحر للمبدع آل جارو الذي أبهر الجمهور بطريقته المتفردة في الأداء، وفي خلق جو تفاعلي مع الجمهور العريض الذي ملأ جنبات المسرح وغصت به القاعة.
قوة صوت
رغم كبر سن آل جارو إلا أن صوته لازال يحتفظ بقوته، فاستطاع إبهار الجمهور الذي أدخله بطريقته المرحة في تفاعل كبير معه، إذ جعله يغني ويردد أغانيه التي يؤديها بطريقته الخاصة، تألق على المسرح وسمح أيضا للعازفين المرافقين له بالتألق، بحيث خلقت مساحات واسعة لكل منهم في إظهار مهارته في العزف بشكل انفرادي، حيث كانت تتحدث الآلات للجمهور الذي انحنى لكل أعضاء الفرقة على خلفية ما قدموه، وبطريقته الخاصة في الأداء الذي لم يكن محكوما إلا بفكر فنان أن يسافر بالناس بعيدا في أجوائه الخاصة، حيث ترجم الأحاسيس وترك لنفسه الحق في العزف على أوتار مشاعرهم وسافر بهم وأخذهم للتعرف على دواخلهم ومدافن مشاعرهم وأحاسيسهم، وأيقظ الفن في أنفسهم.
واستطاع آل جارو أن يبرز طبقات صوته على خشبة المسرح وهو يمر من أغنية لأخرى، بحيث غنى بدون مرافقة موسيقية، ورافق أيضا الفرقة في العزف بالخشخشة التي كان يحملها، كما عزف بدون آلة من خلال صوته فقط ومثل دور عدة آلات موسيقية، وبطريقته الارتجالية المعهودة قدم آل جارو تحياته وأمنياته بالحب والسلام للعالم من فوق خشبة المسرح، وأثنى على المهرجان واصفاً إياه بالرائع، وكذلك توجه بالشكر إلى كل الحضور على تفاعله معه بكل حب، وقال آل جارو في هذا السياق وهو على خشبة المسرح: شكرا لجمهور أبوظبي، شكرا للمهرجان، شكرا لقصر الإمارات مكان الحفل، شكرا للجمال والسلام، وشكرا لقلوبكم، وأتمنى أن تساعدوني على توصيل رسالتي الفنية، إنني أغني للحب والسلام وأبعث بهما كرسالة للعالم.
أسطورة موسيقية
من جانبها، قالت هدى الخميس كانو مؤسس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، المؤسس والمدير الفني لمهرجان أبوظبي: «إنها فعلاً ليلة من أهم ليالي مهرجان أبوظبي 2011، فآل جارو أسطورة موسيقية وأحد عمالقة هذا اللون الغنائي المتميز، ولا شك أن أعين العالم بأسره توجهت الليلة إلى أبوظبي لما تحققه من تعزيز لجسور الثقافة والتبادل الإنساني، إن استضافة آل جارو تعد إضافة مهمة إلى سجل منجزات مهرجان أبوظبي خلال مسيرته، وأحب هنا أن أتوجه بعميق شكري وامتناني لآل جارو على قبوله دعوتنا، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على المكانة الرفيعة التي تتمتع بها دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم في الساحة الدولية على كافة الصعد، ومنها الثقافة والفنون».
واشتمل حفل آل جارو على مقطوعات كلاسيكية من منجزه الفني.
بالإضافة إلى أغان أخرى أطرب بها مسامع العالم على مدار العقود الخمسة الماضية تضمنت ‘We Got By’ و ‘Moonlighting’ و‘Your Song’ ورافق آل جارو على الأورج والساكس فون المدير الموسيقي جو تورانو، وعلى الغيتار جون كاديرون، وعلى الطبول مارك سيمونز، وعلى الغيتار باص كريس ووكر ، وعلى الأورج والبيانو والناي لاري وليامز.
واختتم الحفل بكلمة «إلى اللقاء»، فوقف له الجمهور مصفقاً تصفيقاً شديد الحرارة، وأهدته هدى كانو وردةً بيضاء احتضنتها يداه وضمتها ولم تكتف بملامسة وُرَيْقاتها، وهو ما زاد المشهد حميميةً وعفويةً وحباً خالداً لفنان تجاوز السبعين من العمر، لكن جميع جوارحه لا زالت تنضح حباً وتتدفق أحلاماً وأملاً بغد أكثر إشراقاً. كان للوردة مفعولها على نفس ألجارو الشفافة، فأبى إلا أن يرد الجميل وغنى أغنيته ما بعد الأخيرة وبدأها بعبارة «هذه بداية لشيء ما» وتمايلت لوقعها أجساد المتفرجين الواقفين في أماكنها وتعالت أكفهم بالتصفيق. وإذا كانت وردة هدى كانو قد انتزعت من ألجارو أغنيته ما بعد الأخيرة، فإن تصفيقات الجمهور دفعت أعضاء فرقته الخمسة إلى العودة إلى الخشبة ومشاركة ألجارو أغنيته ما بعد الأخيرة، وليُختتم العرض بباقة ورد أهداها له شاب إماراتي وطبع بعدها قبلة محبة وتقدير على وجه ألجارو.
تحت الضوء
وقد كرس آل جارو بعضاً من وقته الذي قضاه في أبوظبي للاستماع إلى المواهب المدرسية، حيث عقد عدة بروفات لمجموعات من تلاميذ مدارس أبوظبي، ضمن فعاليات مهرجان أبوظبي 2011 تحت شعار «المهرجان تحت الضوء»، والتي قدمت مساحة للتدريبات المفتوحة والبروفات تتيح للتلاميذ الإطلاع على ما وراء الكواليس في عوالم الفنانين الذين تظهر أسماؤهم في البرنامج الرئيسي للمهرجان في قصر الإمارات.
أتقن آل جارو أداءه الغنائي ليصبح فناناً بارزاً، فقد بدأ الغناء في الرابعة من عمره، وبحلول أواخر ستينيات القرن الماضي، أدرك في قرارة نفسه أن الغناء سيكون محور حياته، وفي عام 1975، بدأت المؤسسات المهتمة برصد المواهب بمتابعة أعماله، ووقع عقداً لتسجيل أغنياته، إذ حقق ألبومه الأول ‘We Got By’ من إنتاج «وارنر بروس للتسجيلات»، نجاحاً واسع النطاق وحظي بإشادة وتقدير من الجميع.
وأطلقت عليه صحيفة شيكاجو تريبيون لقب «صوت التنوع»، وسمته ديترويت نيوز «أحد أعظم موارد العالم الطبيعية»، وبعد أكثر من 30 عاماً ما يزال آل جارو واحداً من أكثر الرجال المجتهدين في عالم الفن، وهو بلا شك أحد أعظم الفنانين والمطربين المبدعين الذين عرفوا في عالم الموسيقى، وقد وصفته مجلة تايم بأنه «أعظم فنان جاز على قيد الحياة»
نقلة نوعية
كانت النقلة النوعية في مسيرة آل جارو المهنية عام 1977 مع إصدار ألبومه (Look to the Rainbow) الذي فاز عنه بأول جائزة غرامي لأفضل أداء صوتي لموسيقى الجاز، وانهالت عليه الجوائز بعد كل ألبوم يصدره.
ففي عام 1981 فاز بجائزة غرامي لأفضل مغنٍ عن ألبومه (Breakin) بحيث تجاوزت مبيعاته المليون نسخة، قبل أن يحصل على جائزة غرامي أخرى لأفضل أداء صوتي لموسيقى آر أند بي في 1992 عن ألبومه (Heaven and Earth)، وبذلك أصبح آل جارو أحد الفنانين القلائل الذين فازوا بجوائز جرامي عن فئات موسيقى الجاز والبوب وآر أند بي.
المصدر: أبوظبي