أحمد مراد (القاهرة)

يعد المفكر والقانوني الفرنسي، مارسيل بوازار، أحد أشهر المفكرين الغربيين في القرن العشرين، وقد أولى اهتماماً كبيراً بمجالات العلاقات الدولية وحقوق الإنسان، وعاش فترة طويلة في بلاد عربية وإسلامية، ويوصف كتابه الشهير «إنسانية الإسلام» بأنه علامة مضيئة في مجال الدراسات الغربية للإسلام بما يتميز به من موضوعية وعمق.
وفي كتابه هذا دوَّن بوازار العديد من الشهادات المنصفة للدين الإسلامي، وفي إحداها يقول: «الإسلام دين وحضارة أعطت مفهوما خاصا للفرد، وحددت بدقة مكانه في المجتمع، وقدمت عددا من الحقائق الأولية التي تحكم العلاقات بين الشعوب، ويهتم الإسلام بتنظيم الحياة الروحية والزمنية للفرد والجماعة رافضاً الوساطة ومن يحتكر الدين، فالإسلام دين مطلق إلهي وعقلاني، وعلى العقل البشري أن يتوافق والمنهاج الموحى به».
كما يقول بوازار: «من الأهمية بمكان الكشف عن الطريقة التي حدد بها الإسلام ذلك الدين العالمي الطموح مكانة الفرد في المجتمع، وتصور تنظيم العلاقات بين الشعوب، إن تقديم الإسلام على أنه مجرد خصم متصارع من النظريات والبنى التشريعية المعاصرة، أمر غير معقول».
ويضيف قائلاً: «لا تمييز في العقيدة الإسلامية بين الموجب القانوني والواجب الخلقي، وهذا الجمع المحكم بين القانون والخلق يؤكد قوة النظام الإسلامي منذ البداية، أليس من الواقعية والتقدمية أن يؤمن المرء بقيمة الإنسان وحريته وإرادته، وأن يتخيل إنشاء قانون تستطيع كل الشعوب الانضواء تحت لوائه؟ لسوف يسهم الإسلام في إنشاء ذلك القانون». وفي شهادة منصفة أخرى يقول بوازار: «فتح الإسلام الباب للتعايش على الصعيد الاجتماعي والعرقي حين اعترف بصدق الرسالات الإلهية المنزلة من قبل، وأتاح منطق تعاليمه القوي، وبساطة عقيدته وما يرافقها من تسامح، أتاح كل هذا للشعوب التي فتح بلادها حرية دينية».
وفي شهادة منصفة ثالثة كتب يقول: «قدم الإسلام منذ القرن السابع للميلاد حلاً فريداً من نوعه لمشكلة الأقليات، وقد ثبت أنه نهج لا مثيل له، منذ بدء الفتح العربي الإسلامي، كان المحاربون المسلمون قد فرضوا على أنفسهم روحاً من التسامح مع غير المسلمين ومع الشعوب المغلوبة، وفي زمن لم يكن فيه العنف يعرف شرعاً ولا عاطفة، أصدر أبو بكر الصديق إلى جنوده التعليمات المشهورة بحسن معاملة شعوب البلاد الأخرى، وهي التعليمات التي تختصر الروح الخلقي للقانون الإسلامي».
ويمدح بوازار القرآن الكريم قائلاً: «إن القرآن لم يقدر قط لإصلاح أخلاق عرب الجاهلية، إنه على العكس يحمل الشريعة الخالدة والكاملة والمطابقة للحقائق البشرية والحاجات الاجتماعية في كل الأزمنة، إن الأدوات التي يوفرها التنزيل القرآني قادرة ولاريب على بناء مجتمع حديث».
ويضيف: «لقد أظهرت الرسالة القرآنية أنها تقدمية بشكل جوهري، وتفسر هذه الخصائص انتشار الإسلام السريع بصورة خارقة خلال القرون الأولى من تاريخه».
ويؤكد بوازار: «لم يكن من ضمن رسالة الإسلام أن يبطل ما أنزل من قبله، بل أن يصدقه وتطهير تعاليم الرسل السابقين من كل مخالفة، والتوسع فيها وتتميمها لتغدو ملائمة للبشرية جمعاء في كل زمان ومكان».