حكومة جديدة ومشاكل قديمة!
يوم الخميس الماضي، السابع والعشرين من مايو الجاري، أدى البشير اليمين الدستورية رئيساً لجمهورية السودان، بعد انتظار طال أمده منذ أن أعلن فوزه بمنصب الرئاسة عقب انتخابات مختلف حول سلامتها ومطابقتها للشروط القانونية المتعارف عليها دوليّاً، على الأقل من وجهة نظر أحزاب المعارضة والشريك "المخالف" لحزب المؤتمر الوطني (الحركة الشعبية لتحرير السودان).
ولقد أفسدت أحزاب المعارضة والحركة الشعبية "حلاوة الانتصار الكاسح" للحزب الحاكم لعقدين من الزمان، بإعلانها انسحاب مرشحيها للرئاسة والمجالس النيابية القومية والإقليمية والمحلية، في الأيام الأخيرة السابقة لإجراء الاقتراع، وأعلنت عن قناعتها بتزوير الانتخابات قبل إجرائها.
كان حزب المؤتمر الوطني يأمل ويعمل بجهد حقيقي لإقناع أي من أحزاب المعارضة الكبرى (الأمة- الاتحادي- الحركة) للاستمرار في لعبة التحول الديمقراطي المنصوص عليه في اتفاق نيفاشا وعدم انسحاب مرشحيها للرئاسة، حتى تبدو اللعبة مكتملة الأطراف، وأن التنافس الانتخابي الذي هو طريق التحول الديمقراطي قد تحقق، وأن انتصار مرشحه (البشير) الكاسح حقيقي ونتيجة لثقة الشعب السوداني فيه وإيمانه وقناعته بصدق مشروعه الحضاري لبناء المليون ميل مربع، كما يقول إعلام الحكومة في الخرطوم.
والمعارضة اضطربت خطواتها وتاهَ بعضها عن الطريق في الأسابيع الأخيرة للانتخابات، ومنذ الإعلان عن بدء تسجيل الناخبين، وتوالت بياناتها ونداءاتها ورسائلها للجنة القومية للانتخابات وكفلاء نيفاشا من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي إلى الأمين العام للأمم المتحدة، مطالبة "المجتمع الدولي" وأصدقاء وشركاء "الايغاد" بالتدخل ووضع حد لانتهاكات قانون الانتخابات، التي لم تحل "قومية" لجنة الانتخابات وسمعة رئيسها الطيبة، دون شكاوى أحزاب المعارضة التي تقول إنها مدعومة بالأسانيد والوثائق.
إن المعارضة السودانية تبدأ في مراجعة مواقفها وسياساتها وخططها غير الحكيمة ولا السديدة. (وإن تمت مراجعـة جماعية لأحزابها أو في داخل كل حزب معارض) ستجد أن الأصوات المتوجسة حذرتها منذ البداية وأنذرتها من دخول اللعبة وفق شروط وخطط الجماعة الحاكمة وأن ثقتها أحياناً واعتمادها على حسن وصدق النوايا كان وسيبقى من قبيل الوهم.. إن التحول الديمقراطي السلمي الذي أصبح الشغل الشاغل لقادتها منذ اتفاق القاهرة الذي بموجبه دخل الجسم الأكبر للمعارضة (التجمع الوطني الديمقراطي) السلطة شريكاً أصغر للحزب الحاكم فيما سمي بـ"حكومة الوحدة الوطنية"، لن يحققه إلا الذين يؤمنون بقناعة ويقين بالديمقراطية طريقاً لحل قضايا السودان وأزماته التاريخية والمستجدة.
واليوم تبدأ مرحلة تاريخية في حياة السودان.. وكم تعددت المراحل التاريخية في حياة السودانيين! بأداء البشير اليمين الدستورية. وحسب العرف والتقاليد الدستورية فإن أول خطوة دستورية سيقوم بها هي الإعلان عن إعفاء حكومة الوحدة الوطنية والشروع في تشكيل الوزارة الجديدة في دورة رئاسته هذه.
ولقد ظلت مسألة تشكيل حكومة جديدة هي القضية التي تؤرق منام أصحاب السلطة الحقيقيين، والمشاورات والمشاكسات التي تدور في الغرف المغلقة هي التي كانت وراء تأجيل أداء الرئيس لليمين.
والسودانيون الذين ينتظرون بصبر وقلق وملل إعلان أسماء الوزراء وحملة المناصب الدستورية الجدد لن تتحقق أحلامهم بتغيير الوجوه قبل السياسات، فمعظم الوجوه القديمة قد تتبادل الكراسي والسياسات القديمة قد تكون أشد قوة عما كانت عليه بالأمس.
ذلك لأنه يبدو أن التيار الداعي لمشاركة بعض المواطنين من غير أعضاء حزب المؤتمر (حتى ولو بصورة شكلية) قد انهزم داخل المجموعة الحاكمة، والتيار الذي يُعرف بالمتشدد ربما تمكن من فرض رؤيته ومن صفوفه سيتشكل مركز القوة الجديدة في مجلس الوزراء، وفي كل مناصب الدولة المهمة التي بيدها مفاتيح السلطة.
نعم، ستكون في السودان حكومة جديدة، ومع الأسف، ستجد الحكومة الجديدة نفسها أسيرة نفس المشاكل والأزمات التي صنعتها حكومات وسياسات "الإنقاذ".
عبدالله عبيد حسن