أحمد مراد (القاهرة)

زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري، أمه النوار بنت مالك، مات والده وهو في السادسة من عمره، وتزوجت أمه من عمارة بن حزم، وعندما قدم النبي إلى المدينة كان عمره لا يتجاوز أحد عشر عاماً، وقد أسلم مع أمه وزوجها في بيعة العقبة الثانية، وباركه الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعاء.
في غزوة بدر كان عمر زيد بن ثابت 12 عاماً، وكان غلاماً يتوهج ذكاءً وفطنةً، ويتألق نجابةً وحميةً، وجاء إلى النبي وفي يده سيف يساويه في الطول، أو يزيد عليه قليلاً، ودنا من النبي، وقال: جُعلت فداك يا رسول الله، ائذن لي أن أكون معك، وأجاهد أعداء الله تحت رايتك، فنظر النبي إليه نظرة سرور وإعجاب، وربت على كتفه بلطف وطيّب خاطره، ورده لصغر سنه وضعف جسمه.
حزن زيد بن ثابت حزناً شديداً لعدم مشاركته في قتال المشركين، وعاد إلى أهله يجر سيفه على الأرض، وفي غزوة أحد، ذهب مع جماعة من أقرانه الصغار إلى النبي يرجون أن يضمهم للمجاهدين، ونظر إليهم الرسول شاكراً، وأجاز منهم رافع بن خديج وسمرة بن جندب، ورد ستة من الأشبال منهم زيد بن ثابت وعبدالله بن عمر، وقد بذلوا جهدهم بالرجاء والدمع والاستعراض، لكن حالت أعمارهم الصغيرة، وأجسامهم الضعيفة دون إجازة النبي لهم للقتال، فوعدهم صلى الله عليه وسلم بالمشاركة في الغزوة المقبلة، وبالفعل شارك زيد بن ثابت مع أقرانه كمقاتلين في سبيل الله بدءاً من غزوة الخندق، وفي يوم تبوك كانت راية بني النجار مع عمارة بن حزم، فأخذها النبي منه، فدفعها لزيد بن ثابت فقال عمارة: يا رسول الله بلغكَ عني شيء؟ قال الرسول: «لا، ولكن القرآن مُقدم، وزيد أكثر أخذاً منك للقرآن».
شغف زيد بن ثابت بطلب العلم وحفظ القرآن الكريم، وكان من أصغر كتاب الوحي سناً، وحين بدأ الرسول في إبلاغ دعوته، وإرسال كتبه لملوك الأرض وقياصرتها، أمر زيداً أن يتعلم بعض لغاتهم فتعلمها في وقت وجيز.
يقول زيد: أُتيَ بيَ النبي، فقيل: هذا من بني النجار، وقد قرأ سبع عشرة سورة، فقرأت عليه فأعجبه ذلك، فقال: «تعلم كتاب يهود، فإني ما آمنهم على كتابي»، ففعلت، فما مضى لي نصف شهـر حتى حذِقته، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له، وقال زيد: قال لي رسول الله: «أتحسن السريانية؟»، قلت: لا، قال: «فتعلمها فإنه تأتينا كتب»، قال: فتعلمتها في سبعة عشر يوماً، قال الأعمش: كانت تأتي كتب للنبي لا يشتهي أن يطلع عليها إلا من يثق به وهو زيد بن ثابت، ومن هنا أطلق عليه لقب ترجمان الرسول.
بعد أن تم نزول القرآن كان الرسول يقرأه على المسلمين مرتباً حسب سوره وآياته، وقد قرأ زيد بن ثابت القرآن على رسول الله في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وسميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول الله وقرأها عليه.
عندما رغب أبو بكر الصديق في جمع القرآن دعا زيد بن ثابت وقال له: إنك شاب عاقل، وأمره أن يبدأ جمع القرآن مستعيناً بذوي الخبرة، ونهض زيد بالمهمة حتى جمع القرآن مرتباً منسقاً، ويقول: والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون عليَّ مما أمروني به من جمع القرآن، فكنت أتبع القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال.
توفي زيد بن ثابت سنة 45 هجرية في عهد معاوية بن أبي سفيان.