انتخابات ألمانيا: ناخبون حائرون
«صوتوا للأمان»، هذا هو الشعار الذي ظهر على ملصق اختارته الحملة الانتخابية للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في شوارع برلين، لتطبع السياسية الألمانية والشخصية العالمية التي قادت بلادها لأربع سنوات بمسحة واضحة من الأمومة والحكمة. والحقيقة أن الشعار الذي اختير قبل أيام قليلة فقط على الانتخابات الوطنية، يبدو وكأنه تأكيد لما سيحصل قريباً، وهو العودة الظافرة لميركل على رأس المستشارية الألمانية، وذلك حسب ما تشير إليه استطلاعات الرأي التي تمنحها تقدماً واضحاً على منافسيها.
لكن وباستثناء الحظوظ الواضحة التي تتوفر عليها ميركل في الانتخابات القادمة، مازال الغموض يلف الانتخابات، رغم محاولات ميركل إبقاءها في نطاق المتوقع والمألوف، فالعديد من الناخبين الألمان لم يحسموا موقفهم بعد ومازالت تتملكهم الحيرة إزاء المرشح أو الحزب الذي سيمنحوه أصواتهم، كما أن المحللين والمتتبعين للسياسة الألمانية صعُب عليهم في ظل الغموض المخيم التنبؤ بطبيعة التحالف الحكومي الذي سيقود البلاد في المرحلة المقبلة. وفي كثير من الأوساط يتساءل الألمان ما إذا كان الائتلاف الحكومي الحالي الذي ينضوي تحته اليسار واليمين الممثلين في الحزبين «الديمقراطي الاشتراكي» من جهة و«المسيحي الديمقراطي» من جهة أخرى، سيواصلان تحالفهما، رغم الاعتقاد الشعبي السائد بأنه تحالف يفتقد إلى الاتجاه الواضح والقدرة على التغيير. وقد كان لافتاً اللقاء الذي جمع بين المستشارة ميركل ووزير الخارجية الذي يتزعم في الوقت نفسه «الحزب الديمقراطي الاشتراكي»، فرانك والتر شتاينماير، في برنامج تلفزيوني حيث علق عليه أحد الصحفيين بأن الضيفين «بديا كزوجين قديمين». لكن هل تتخلى ميركل عن حلفائها الاشتراكيين وتتآلف مع «الحزب الليبرالي» لتحقيق رغبة قديمة بتشكيل حكومة وسط اليمين بالتعاون مع زعيمه، «جيدو ويسترويل»، الذي قد يصبح أول وزير مثلي في ألمانيا؟ الحقيقة أن ذلك يبدو مستبعداً بالنظر إلى استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً، والتي أعطت الأفضلية لاستمرار التحالف الحالي. وحسب الاستطلاع، مازال 25 في المئة من الناخبين الألمان لم يحسموا خيارهم بعدْ، مقارنة بـ17 في المئة خلال الانتخابات الماضية. وفي بلد اعتاد فيه الناخبون التصويت للأحزاب وليس للأشخاص استناداً إلى برامجها وسياساتها، لم يؤكد سوى 40 في المئة من مجموع الناخبين نيتهم في الإدلاء بأصواتهم فيما الباقي مازال متردداً، وهو ما يعبر عنه «جيرو نوجيباور»، المحلل السياسي في جامعة برلين الحرة قائلا: «العديد من الألمان لن يختاروا مرشحهم إلا قبل ثلاث ساعات من وقت الاقتراع، وقد ارتفعت نسبة المترددين ما بين 20 في المئة إلى الثلث، وهو رقم غير مسبوق». ويضيف المحلل السياسي أن الحزب الديمقراطي الاشتراكي تخلى عن مبادئه المؤسسة على العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وبدأ يميل أكثر ناحية الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ، فأدى ذلك إلى ابتعاد الناخبين عنه واتجاههم نحو الأحزاب التي مازالت ترفع شعارات الاشتراكية، وهي أحزاب صغيرة على كل حال مثل «الخضر» و«الحزب الشيوعي» السابق في ألمانيا الشرقية الذي يعتبر الوحيد بين الأحزاب الألمانية الداعي إلى سحب القوات الألمانية من أفغانستان. لكن لدخول البرلمان يحدد القانون في ألمانيا عتبة 5 في المئة كشرط لا مفر منه يقصي الأحزاب الصغيرة عن قبة الهيئة التشريعية. ومن بين العشرات الذين استجوبوا في الشارع، لم يعرب أحد من الناخبين عن قرار حاسم بشأن الحزب الذي سيصوت لصالحه، وفي هذا السياق قال المواطن «ألكسندر كرافت»، وهو في طريقه إلى العمل، «الشيء الوحيد المتأكد منه هو أني لا أريد تحالفاً كبيراً كالذي يحكم الآن»، وهو الموقف نفسه الذي يتبناه الطالب في الجامعة التقنية ببرلين «ستيفان شيل» قائلا: «من الصعب التصويت لصالح الأحزاب الصغيرة لأنه صوت ضائع في النهاية، لاسيما وأن تلك الأحزاب لن تستطيع في كل الأحوال جمع النسبة الكافية التي تؤهلها لدخول البرلمان». وقد أظهر استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة ألمانية تراجع النسبة التي حصلت عليها ميركل في السابق بنقطة واحدة لتستقر في 34 في المئة، بينما انحسرت نسبة التأييد لتحالف ميركل المفضل لتشكيل حكومة وسط اليمين، إلى 12 في المئة. هذا في الوقت الذي صعدت فيه نسبة التأييد للحزب الديمقراطي الاشتراكي إلى 27 في المئة. وقد استبعد الحزب الديمقراطي الحر، في مطلع الأسبوع الماضي، وهو حزب يمثل التيار الليبرالي في ألمانيا، دخول تحالف مع اليسار مستبعداً احتمال سقوط تحالف ميركل في الانتخابات القادمة.
روبرت ماركاند-برلين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيترو»