كوريا الشمالية وضحايا العزلة ومعسكرات الاعتقال
مع زيارة أوباما لكوريا الجنوبية هذا الأسبوع، سنسمع الكثير حول أخطار تطلعات كوريا الشمالية النووية. ولكننا من غير المحتمل أن نسمع شيئاً حول شاب يدعى "شين دونج هيوك"، الذي تربى داخل معسكر اعتقال في كوريا الشمالية بعد أن أمر الحراسُ والديه السجينين بالتزاوج والإنجاب. والحال أن "شين" لديه الكثير ليخبرنا به حول ماضي كوريا الشمالية ومستقبلها، كما حول دائرة التفاوض والتهديد والوعود المنكوثة بشأن الموضوع النووي.
"لقد وُلد شين وتربى وراء سور من الأسلاك الشائكة المكهربة". هكذا يكتب "بلين هاردن"، وهو مراسل سابق لصحيفة "واشنطن بوست" في منطقة شرق آسيا، في مقال حول حياة "شين" سينشر قريباً تحت عنوان "الفار من المعسكر 14"، وفيه يصف "هاردن" عالماً مغلقاً من العزلة التي لا يمكن أن يتخيلها المرء. فنحن كثيراً ما نتحدث عن شخص بائس تربى "من دون أن يعرف الحب"؛ أما "شين"، فقد تربى ونشأ فعلياً دون أن يعرف مفاهيم مثل الحب أو الثقة أو اللطف، حيث كانت حياته لا تعرف سوى الضرب والجوع والعمل. قيمه الوحيدة كانت هي إطاعة الحراس، والوشي بمسجونين مثله، وسرقة الطعام عندما يجد إلى ذلك سبيلا.
وفي سن الرابعة عشرة، رأى "شين" والدته وأخاه الأكبر سناً يُعدمان أمام عينيه، مشهد لم يثر فيه رحمة أو أسفاً. وقد رُبي لكي يعمل حتى يموت، ربما في الأربعينيات من عمره. وهو لم يعرف أحداً عاش من قبل حياة خارج المعسكر 14.
في سن الثالثة والعشرين، هرب "شين" وتمكن على مدى أربع سنوات من شق طريقه عبر "الشمال" الجائع إلى الصين، ومنها إلى الولايات المتحدة. وحسبما هو معروف، فإنه الشخص الوحيد الذي وُلد في "جولاج" كوري شمالي ونجح في الهرب ومعانقة الحرية. وعلى نحو لا يصدق، تصبح قصة "شين" أكثر إثارة للاهتمام بعد رحلته غير المسبوقة، بعد أن أدرك أنه رُبي كشيء دون مرتبة البشر. وبشكل تدريجي -وبنجاح متفاوت حتى الآن- شرع في إعادة تكوين نفسه كإنسان له أخلاق ومشاعر.
ولكن، كيف يمكن أن تكون هذه القصة ممكنة في القرن الحادي والعشرين، عصر إعلان الأمم المتحدة بفخر (في 2005) بأن كل الدول لديها "مسؤولية حماية" المدنيين الذين يتعرضون لسوء المعاملة من حكوماتهم؟ يقول "فيكتور تشا"، الأستاذ بجامعة جورج تاون، في كتابه المقبل "الدولة المستحيلة": "إن صياغة سياسة شاملة للتعاطي مع برامج كوريا الشمالية النووية، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، واقتصادها الفاشل ليس أمراً سهلاً... إن أي إدارة (أميركية) لم تنجح حتى الآن في معالجة واحد من هذه المواضيع، فما بالك بالمواضيع الثلاثة كلها".
"تشا"، الذي ساهم في صياغة سياسة أميركية بشأن كوريا الشمالية في مجلس الأمن القومي في عهد بوش الإبن، يتحدث عن دولة يتعلم فيه تلاميذ المدارس الصغار قواعد الصرف والنحو عبر ترديد جمل مثل: "قتلنا الأميركيين"، "نقتل الأميركيين"، "سنقتل الأميركيين".
بعدد سكان يبلغ 25 مليون نسمة، تعد كوريا الشمالية دولة فاشلة من كل النواحي إلا واحداً، وهو ما يدلل النظام ونخبة صغيرة هي أشبه بعصابة أكثر منها ببيروقراطية تقليدية. وإذ يحذر "تشا" من أن التنبؤ بالمستقبل أمر خطير، فإنه يجادل بأن "النهاية أضحت قريبة" حيث يتوقع أن تشهد الولاية الرئاسية الأميركية المقبلة على الأرجح "أزمة كبيرة للدولة في كوريا الشمالية". وعندما يحدث ذلك، فـ"إن ما سيتم اكتشافه هو ربما واحدة من أسوء كوارث حقوق الإنسان في العصر الحديث".
غير أنه لن يكون اكتشافاً كبيراً، مثلما يوضح كلا الكتابين، حيث يشير "هاردن" إلى أن وجود معسكرات العمل يمثل ضعف مدة وجود الجولاج السوفييتي ونحو خمسة أضعاف مدة وجود مخيمات الاعتقال النازية". ثم إنه من السهل التعرف عليها في الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية حيث تفوق مساحة أحدها مساحة مدينة لوس أنجلوس، وتأوي معاً نحو 200 ألف شخص. بعبارة أخرى، إنها واضحة ومرئية، ولكن الناس لا يريدون رؤيتها، وقصة "شين" تساعد على فهم السبب.
فليست مفاجأة أن تعارض الصين، التي لديها معسكرات عمل خاصة بها، أي إشارة إلى أنه لا يجوز لأي حكومة أن تسيء معاملة مواطنيها مثلما يحلو لها. ولكن الكوريين الجنوبيين، الذين يعيشون في حرية، يخشون أيضاً انهياراً كورياً شمالياً - ليس للكلفة المالية الممكنة فحسب، وإنما أيضاً لأنهم يشعرون إلى أي حد أصبح مواطنوهم السابقون مختلفين.
صحيح أن ليس كل الكوريين الشماليين يعيشون حياة كتلك التي عاشها "شين" داخل المعسكر 14، ولكن عقوداً بل أجيالاً من العزلة والدعاية تترك تأثيرها حتماً. وقد علمتنا 20 سنة من التجربة في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي أن إعادة إحياء القيم المدنية والحضارية يمكن أن تكون أصعب بكثير من إعادة إحياء الأسواق الخاصة أو الأنظمة الديمقراطية.
عندما رأى معلمه يضرب تلميذاً في السادسة من عمره حتى الموت لأنه سرق ست حبات ذرة، يقول "شين" إنه "لم يفكر في الأمر كثيراً". "فأنا لم أكن أعرف شيئاً حول التعاطف أو الحزن"، يقول شين. "لقد خرجتُ الآن، وأنا أتعلم أن أكون إنساناً لديه عواطف. وقد تعلمتُ أن أبكي، وأشعر أنني أصبحت إنساناً". ولكن ورغم مرور سبع سنوات على فراره، يكتب "هاردن"، إلا أن "شين" لا يعتقد أنه بلغ ذلك الهدف إذ يقول: "لقد هربتُ جسدياً ولكنني لم أهرب نفسياً".
فريد حياة
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»