أميركا وإسرائيل... فك الارتباط
بمناسبة عودة المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، برعاية أميركية، يصعب أن نشرح لشاب أو شابة عربيين يعيشان تحت الاحتلال الإسرائيلي، أو حول العالم الإسلامي المكون من مئات الملايين من الناس، حقيقة وجود فارق كبير بين سياسة إسرائيل وسياسة الولايات المتحدة.
إن ظهور عالم إسلامي وعربي أقل عنفاً وأقل تصادماً مع السياسة الأميركية سيتطلب حتماً ابتعاداً أميركيّاً عن تسليح إسرائيل، ويجب أن يقترن هذا الابتعاد بإيقاف تدفق مليارات الدولارات العلنية والسرية التي تنتهي في مستوطنات عنصرية على شكل بؤر عسكرية تؤسس لحروب ومواجهات لا نهاية لها بين إسرائيل والعالم العربي والإسلامي. إن الإدانة اللفظية الأميركية للاستيطان لا تؤدي في النهاية إلا إلى جعل الدولة اليهودية خطراً على نفسها وعلى الولايات المتحدة. ومن هنا تنبع أهمية أن يكون أوباما قادراً على تغيير المسار، وإلا ساهم من حيث لا يريد في تعميق هذا الصراع وزيادة حدته في السنوات القادمة.
ومن الواضح الآن أن الحسم العسكري والضربات الاستباقية لا تصنع عالماً جديداً، فهذا ما أكدته تجربة "المحافظين الجدد" في الإدارة الأميركية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فلقد عادت "طالبان" في أفغانستان، والعراق انفجر قتالا وحرباً بعد حل الجيش العراقي وأجهزة الأمن العراقية عام 2003.
وبينما ننتظر من أوباما تغييراً، خاصة أنه يعرف الكثير عن المسألة الفلسطينية، ندرك أن التاريخ المديد بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي لم يتغير فيه المنطق الأميركي المنحاز. فقد دعمت الولايات المتحدة إسرائيل ضد القومية العربية وعبدالناصر فانتهت بالحركات الأصولية المعادية للغرب، ودعمت قيام إسرائيل بغزو لبنان عام 1982 فانتهت بـ"حزب الله" في الجنوب. ودعمت المجاهدين الأفغان ومجموعات بن لادن ضد الاتحاد السوفييتي فانتهت بـ"طالبان" و"القاعدة" وأحداث سبتمبر. ولائحة قصر النظر الأميركية طويلة، على رغم أننا نستطيع أن نستثني منها حرب تحرير الكويت 1990 وبضعة مواقف صلبة ذات طابع مؤقت ضد الاستيطان الإسرائيلي أو لصالح حقوق الإنسان في العالم الإسلامي.
لقد أضاعت الولايات المتحدة العلاقة بالعرب في حمى الحسابات الضيقة، وانتهى بها الأمر إلى هذا الحصاد المر. وبدون صحوة حقيقية وتحرر من سيطرة أقلية صغيرة على مجرى السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط لن يتغير شيء، بل ستزداد الأمور سوءاً وسريالية وعنفاً.
غير أن الأميركيين في هذه الأيام بالتحديد يبدون أكثر استعداداً للاستماع. ففي سلسلة محاضرات لي في مدن أميركية على فترات مختلفة في الشهور القليلة الماضية حول أوضاع الشرق الأوسط، والمسألة الفلسطينية، بدأت أرى وعياً أكثر تساؤلا عن العلاقة مع العالم الإسلامي والعربي. وقد فوجئت على سبيل المثال في مدينتي دينفر وبولدر في ولاية كولورادو بالأعداد الضخمة المكونة من مئات الحاضرين التي جاءت للاستماع لمحاضرة بعنوان: "العالم العربي على مفترق طرق". وهذا التعطش الأميركي للتساؤل يعكس الفراغ الذي يعيشه الشعب الأميركي بعد حربي العراق وأفغانستان.
ومن المعروف بعد الحادي عشر من سبتمبر أن الأميركيين تساءلوا: "لماذا يكرهوننا؟" ولكن ذلك السؤال بدأ يتراجع الآن أمام سيل من الأسئلة منها: "هل قامت السياسة الأميركية فعلاً بشيء يساهم في هذه الكراهية؟". غير أن التيار العام في الولايات المتحدة لم يصل بعد للسؤال الأساسي عن دور إسرائيل في العنف بين الشرق والغرب. والراهن أن تغيرات المواقف الأميركية أصبحت ملموسة، فهناك نمو في الجمعيات الأميركية واليهودية (منها J street اليهودية) التي تعي خطورة استمرار الاحتلال في فلسطين. وهناك بداية وعي بأن مصلحة الولايات المتحدة لم تعد تتطابق مع مصلحة إسرائيل. وخاصة أن إسرائيل اليوم، في ظل حكومة نتنياهو، تقودها مجموعة من المتعصبين المغامرين الساعين لجر الدولة الكبرى إلى أوخم العواقب.
إن تغير العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم العربي والإسلامي يتطلب تغيير قواعد اللعبة الأميركية تجاه الصراع العربي/ الإسرائيلي في ظل سعي أميركي للتحرر من الانحياز لإسرائيل. إن جوهر التغير يبدأ في فلسطين، فهي النقطة المركزية التي سببت الانقطاع الثقافي والمعنوي بين العالمين، وهي التي وضعت الولايات المتحدة في كفة والعالم العربي والإسلامي في كفة أخرى. إن انسحاب الولايات المتحدة من حالة الصدام مع العالم العربي والإسلامي لن يكون ممكناً أبداً دون حل عادل للقضية الفلسطينية، وقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف.
د. شفيق الغبرا
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «منبر الحرية»