محمد حامد (أبوظبي)

بعيداً عن إبداعه داخل الملعب، وحصوله على 27 بطولة مع البارسا والبايرن ومان سيتي، في غضون 10 مواسم، بما يعادل 3 بطولات تقريباً في الموسم، منها 8 ألقاب للدوري من بين 10 شارك بها في الليجا والبوندسليجا والبريميرليج، إلا أن بيب جوارديولا لديه جانب آخر يستحق تسليط الضوء عليه، ومنه قدرته على تحقيق كل هذه الإنجازات والتفوق على المنافسين دون أن يكون طرفاً في معارك ساخنة، أو تجاوزات في حق المنافسين المباشرين له ولفريقه.
تعرض جوارديولا لمحاولات عدة للتقليل من شأنه من جانب جوزيه مورينيو، خلال فترات عمل المدرب البرتغالي مع ريال مدريد، وتولي الإسباني تدريب البارسا، فقد ألمح مورينيو في أكثر من مناسبة، إلى أن أداء البارسا مع بيب ما هو إلا دعوة للملل والأداء الذي لا يتسم بالجاذبية، كما أشار إلى أن هناك ظلما تحكيميا للريال جعله لا يتمكن من الوقوف في وجه البارسا، حينما كان جوارديولا مدرباً له، ولم يفكر الأخير في الرد على تصريحات مورينيو، مفضلاً الاستمرار في التحلي بأعلى درجات ضبط النفس، والتركيز في عمله مع فريقه.
ومؤخراً وجد جوارديولا نفسه مدفوعاً للحديث عن ريال مدريد، فقد صرح سولاري مدرب الريال السابق أن الملكي الأفضل بلا منازع في العقد الأخير على المستويات كافة، وأضاف أن ريال مدريد يظل الكيان الكروي الأفضل في التاريخ، وجاء رد جوارديولا على هذه التصريحات مؤكداً احترامه للنادي الملكي وتاريخه وجماهيره، ولكنه رفض الاعتراف بأنه الأفضل في العقد الأخير بصورة مطلقة، حيث أشار إلى أن الريال ليس الأفضل على مستوى بطولة الدوري مثلاً، فقد نجح البارسا في إسبانيا والبايرن في ألمانيا واليوفي في إيطاليا في السيطرة شبه الكاملة على بطولات الدوري في الدول المذكورة، إلا أن بيب استدرك قائلاً إن الريال هو الأفضل قارياً وتحديداً في دوري الأبطال دون منازع.
وفي تجربته بالملاعب الألمانية تعرض جوارديولا لبعض الانتقادات من الصحافة الألمانية، وبعض خبراء ونجوم الكرة الألمانية، حيث لاحقته الاتهامات بأنه يغير من هوية الكرة الألمانية، من خلال طريقته مع البايرن الذي يعد النادي الأكثر تأثيراً على المانشافت والكرة الألمانية بشكل عام، وكان الرد داخل الملعب، حينما شارك عدد كبير من نجوم البايرن في وضع بصماتهم على أداء المنتخب الألماني، المتوج بلقب مونديال البرازيل 2014، بأداء مبهر وكرة هجومية جذابة.
وفي مشواره الحالي مع مان سيتي، تحلى جوارديولا بأعلى درجات الاحترام مع الصحافة الإنجليزية التي حاولت التقليل من شأنه في موسمه الأول مع سيتي، حينما خرج من الموسم دون أن يحصل على أي بطولة، وتسابقت الصحف اللندنية في الهجوم عليه ومحاولة التقليل من شأنه، باعتبار أن الدوري الإنجليزي ليس الليجا أو البوندسليجا، وأن بيب لن يتمكن من فرض سطوته أو سيطرة فريقه على البريميرليج بطريقته الهجومية، وسعيه الدائم للسيطرة والاستحواذ وتحويل المنافس إلى مجرد مشاهد.
وأبدع بيب في الحصول على لقب الدوري الإنجليزي الموسم الماضي برصيد قياسي من النقاط بلغ 100 نقطة، وعاد وكرر مشهد التفوق الكبير بالحصول على اللقب الموسم الحالي برصيد 98 نقطة، بل إنه حقق مع السيتي عدداً قياسياً من الانتصارات الموسم الحالي في جميع البطولات بلغ 50 فوزاً، وحصل على الثلاثية التاريخية التي لم يسبقه لها أي فريق في تاريخ الكرة الإنجليزية، وهي الدوري وكأس الاتحاد الإنجليزي وكأس الرابطة، مما دفع الإنجليز للتراجع والاعتراف بأنه بصمة بيب واضحة، بل أشاروا إلى أنه نجح في تغيير فكر وثقافة الكرة الإنجليزية والدوري الإنجليزي العريق، وكانت بصمته حاضرة في أداء المنتخب الإنجليزي في مونديال روسيا 2018.
مهمة جوارديولا الذي تفوق على الريال في تجربته بالليجا، وقاد البايرن للتتويج بالبطولات بفارق قياسي من النقاط في ألمانيا، وأبدع في تغيير ثقافة وتقاليد البريميرليج في مشواره مع مان سيتي، تمت دون أي تجاوز في حق المنافسين، على الرغم من الضغوط التي يتعرض لها من جماهير الأندية المنافسة ومن المدربين المنافسين، والصحافة التي تبحث له عن ثغرة لكي تهاجمه، وتقلل من شأن فلسفته التدريبية في بعض الأحيان.
أما عن آخر المواقف الأخلاقية للمدرب الملقب بالفيلسوف، فقد سجله بدفاعه عن نادي ليفربول في وجه بعض الهتافات التي أطلقها البعض من جمهور مان سيتي بعد الفوز بلقب الدوري، فقد أكد في رسالة لعشاق السيتي أنه يتعين عليهم إظهار كل علامات السعادة والفخر بمان سيتي، دون تقليل من شأن وقيمة ليفربول الذي خاض مع السيتي موسماً تنافسياً رائعاً، وتابع المدرب الإسباني: هل تتخيلون أن جمهور السيتي يحتفل من خلال التجاوز في حق المنافس؟ لقد احتفلنا بنوع من الصخب لأننا تفوقنا على منافس أكثر من رائع، إذا كان هناك من تضرر من بعض الهتافات فأنا أعتذر له.
ولم يتردد جوارديولا في الرد بطريقة حاسمة على شائعات انتقاله لإيطاليا لتدريب اليوفي، وارتفعت وتيرة هذه الشائعات مع رحيل ماسيمليانو أليجري المدير الفني لفريق السيدة العجوز، وجاء تعليق بيب على هذه التقارير بطريقة حاسمة، فقال: لن أذهب إلى إيطاليا، لماذا أحتاج إلى التأكيد على ذلك أكثر من مرة؟ أنا هنا مع السيتي لموسمين قادمين على الأقل، بل سوف أبقى مع السيتي لفترات أطول إذا كانوا في حاجة لخدماتي وطلبوا مني الاستمرار، أشعر بالرضا والسعادة هنا، لن أرحل إلى أي مكان آخر.. أنا المدير الفني لمان سيتي.

عشق كتالونيا نقطة ضعفه الكبرى!
في الوقت الذي لا يواجه فيه بيب جوارديولا المشكلات مع الأندية المنافسة وجماهيرها، وأجهزتها الفنية، كما أنه لا يتعرض لكثير من العقوبات مثل غيره من المدربين، إلا أن مشكلته الكبرى في عشقه الأبدي لكتالونيا، فهو كتالوني حتى النخاع، ويحمل هموم ومشكلات هذا الإقليم معه في كل مكان، الأمر الذي أدى إلى تعرضه لمشكلة كبيرة في ملاعب الإنجليز، وتمت معاقبته بسببها.
جوارديولا تلقى غرامة بلغت قيمتها 20 ألف جنيه إسترليني في مارس 2018، بسب ظهوره بملابس عليها شارة صفراء تدعم بعض الشخصيات في إقليم كتالونيا، وهو الأمر الذي تعامل معه الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بطريقة حاسمة، فقد تم توجيه إنذار له بعد الظهور بهذه الشارة لأنها تخالف لوائح الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم الذي يمنع أي لاعب أو مدرب أو إداري في أندية إنجلترا من إظهار أي إشارة، تحمل بعداً سياسياً أو دعائياً.
وتقبل المدرب الإسباني العقوبة دون أي تعليق عليها، ما يؤشر إلى تعامله بذكاء مع الموقف، حيث لم يعترض على العقوبة، ولم يخرج بأي تصريحات تزيد الموقف توتراً، وسبق للمدرب الملقب بالفيلسوف أن شارك مع منتخب كتالونيا في 7 مباريات، تعبيراً عن هويته التي ترتبط بالإقليم الإسباني الذي تجتاحه نزعات انفصالية بين الحين والآخر، كما أن الصحافة العالمية، والكتالونية خصوصاً، ترى في جوارديولا نموذجاً لأبناء كتالونيا الذين عملوا في برشلونة بكل حماس، سواء لاعباً أو مدرباً، لأنه على قناعة بأن البارسا رمز ناجح لكتالونيا.

5 كؤوس محلية في 10 مواسم
8 بطولات دوري في 10 مواسم، منها ثلاثية مع البارسا، وثلاثية مع البايرن، وثنائية مع السيتي، هي رصيد المدرب الإسباني في البطولة المحلية الأكبر والأصعب، في 3 دوريات من بين أقوى 5 بطولات دوري في القارة العجوز، ويتمسك بيب بمقولته الشهيرة، إن الدوري هو المقياس الأكثر عدالة لإثبات قوة الأندية، مما دفع البعض إلى الاعتقاد أنه يواجه بعض المشكلات في المباريات والبطولات الإقصائية، ولكن الأمور لا تبدو كذلك، فقد حصل جوارديولا على لقب الكأس المحلية 5 مرات طوال مسيرته في عالم التدريب.
الكأس الأولى هي كأس الملك مع البارسا في أول مواسمه مع الفريق الكتالوني موسم 2008 - 2009، ولم يتمكن في الموسمين التاليين من تكرار إنجازه ليعود في موسمه الأخير مع برشلونة للحصول على اللقب، كما حصد بطولة كأس ألمانيا في موسمين من بين 3 أمضاها مع البايرن، وفي إنجلترا فعلها الموسم الحالي، وبالنظر إلى أنه لم يحصد بطولات الكأس المحلية بنفس عدد ألقابه في الدوري، ولم يسيطر عليها يعود في المقام الأول إلى أن بطولات الكأس دائماً ما تتسم بالمفاجآت، ولا تنجح الأندية الكبيرة في السيطرة عليها مثلما تحكم قبضتها على الدوري، وهو أمر شائع في مختلف بطولات الكأس على المستوى العالمي.