ماجدة محيي الدين (القاهرة)

الغراب طائر اجتماعي، يعيش في تجمعات كبيرة تُعرف باسم المجثم، ويقطن بالمجثم الواحد الآلاف من الغربان التي تنتمي إلى نوع واحد، وهي توجد على عدد من الأشجار المتلاصقة، ويعود السبب في عيشها معاً بهذه الطريقة إلى إيمانها بأنّ الكثرة تغلب الشجاعة والقوة، فهي ضعيفة بالنسبة إلى الصقور، والبوم التي يزداد نشاطها ليلاً، وتسعى إلى افتراسها.
والغراب طائر عدوانيّ وذكيّ ومشاكس، ومرح أحياناً، يستطيع إنتاج عدد مذهل من النداءات التي اعتبرها الباحثون لغة تخاطب، حيث يستعمل هذه النداءات بهدف إبعاد القطط، والبوم، والبشر أيضاً، فصرخته تعني النداء السريع، كما تتميز الغربان بقدرتها على التقليد، بل إنّ بعض الأنواع يمكنها محاكاة الكلام البشريّ، فيستطيع العدّ بصوت عالٍ حتى الرقم سبعة، ويمكن أن يتعلّم بعضها أكثر من 100 كلمة، وما يصل إلى 50 جملة كاملة. وتتميز الغربان بالذكاء الشديد ومناقيرها القوية، وتشتمل كلّ قدم أربعة أصابع يتجه أحدها إلى الخلف، وعش الغراب عبارة عن مجموعة من أوراق الأشجار والريش والأغصان، والأعواد الناشفة، ومواد لامعة وملونة تنجذب إليها الغربان، فليس غريباً أن تجد في أعشاشها أشياء لامعة مُذهبة، فهو يُزين عشه بالأشياء زاهية اللون والجذابة. وكان الغراب أول معلم للإنسان، حيث عرّفه كيفية دفن الموتى، كما ذكر الله تعالى في سورة المائدة: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِن الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)، «الآيتان 30 و31».
وتجتمع طيور الغراب حول موتاها، ولاحظ العلماء أنها تتصرف بشكل غريب حول الطيور النافقة من جنسها، تجتمع حولها وتصيح بصوت عالٍ، كما لوحظ أنها لا تنسى وجه شخص يشكل خطراً عليها ثم تُعلم غيرها من الغربان لتعنيف الشخص المشكوك فيه. وتتعدد أنواع الغراب، وأشكاله، وفصائله، ومن أنواعه الغراب مروحي، وغراب المنازل الهندي، والأورق والأعصم، وغراب العقعق العسيري، والقيظ، والزاغ. والغراب طائر آكل اللحوم يأكل الحيوانات الصغيرة، والحشرات، والبذور والحبوب، والفاكهة والرخويات، والديدان، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الطيور، وقد لوحظ أنّه يخزّن الطعام على المدى القصير في الأشجار، أو على الأرض. ويخفي طعامه في الأكياس وأوراق الشجر بعيداً عن أنظار أعدائه. تنتشر الغربان في الأماكن الحارة والمعتدلة والباردة، وتوجد في المزارع، وأماكن الأشجار، وفي القرى والمدن والصحاري، والسهول والقفار، والوديان فهي تعيش في كافة الأماكن. تنتج عن الغربان أصوات مُرتفعة جداً وذات ترددات متنوعة، وتُعد هذه الترددات لغة التعارف بين الجماعة الواحدة، حيث يتميز كلّ نوع بصوت تردد خاص به، وهي بمثابة شفرات استخباراتية للجماعة الواحدة، فحينما يسمع أحد الغربان صوتاً غريباً لغراب آخر مُغاير لنوعه، يُصدر أصواتاً مُتواصلة.