يتمتع أردوغان بتاريخ طويل في الانقلاب على شركاء المسيرة وحلفاء الطموح والأحلام، فليس أحمد داوود أوغلو إلا اسماً يضاف إلى قائمة من الشخصيات الكبيرة التي ساهمت في وصول أردوغان إلى السلطة، إلا أن ذلك لم يشفع لها، ليتعرض للتهميش أو الهجوم والعداء.
الانقلاب على أربكان
في عام 2002 وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم للمرة الأولى في تاريخه، بعدما انشق أعضاؤه من حزب الفضيلة الذي كان يرأسه رئيس وزراء تركيا الأسبق نجم الدين أربكان.
وتركزت دعاية الحزب طوال الوقت على كون أردوغان تلميذاً لنجم الدين أربكان مؤسس حزبي الفضيلة والرفاه، وبرغم هذا المجد الذي حازه أردوغان بفضل ادعائه أنه تلميذ أربكان، إلا أن الأخير الذي تم تهميشه بواسطة أردوغان قام بفضحه بداية من عام 2010 واصفاً إياه بـ«سارق أمجاد الحزب». ووصف أربكان أردوغان عام 2010 بأنه عميل للصهيونية التي جاءت به إلى رأس السلطة، قائلاً: «هناك بعض القوى الخارجية جاءت به إلى السلطة، القوى التي تتبنى سياسات عرقية وتتميز بتوجهاتها الصهيونية الإمبريالية». كما قال أربكان: «تحول أردوغان إلى (أمين صندوق الصهيونية)». وفي مقابلة مع التلفزيون الألماني قال أربكان: «إسرائيل هي من تنصح أردوغان بترديد شعارات معادية لها حتى ينجح في كسب تأييد وتعاطف الشعب التركي المعارض لإسرائيل، وأنه منفذ تام لسياساتها».
الخلاف مع جول
يعد الرئيس التركي السابق عبدالله جول هو الشخصية الرئيسة التي ساعدت أردوغان في الوصول إلى الحكم، فحين وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة كان أردوغان آنذاك في السجن، نتيجة إلقائه قصيدة تحرض على الإرهاب، وظل جول رئيساً للوزراء حتى خرج أردوغان من السجن ليتولى بعدها حقيبة وزير الخارجية.
إلا أن ذلك لم يمنع أردوغان من إطاحته رغم أنه كان أول من سانده، فالخلافات دبّت بينهما بداية من عام 2013 عند اندلاع احتجاجات ميدان تقسيم الشهيرة المعترضة على سياسات أردوغان، حينها رأى عبدالله جول ضرورة الإنصات إلى المتظاهرين، فيما كان رأي أردوغان هو قمعهم بالعنف، كما انتقد في العام التالي قيام أردوغان بحجب موقع «تويتر» عندما انتشرت تسجيلات صوتية لنجل الرئيس التركي بلال تثبت تورطه في الفساد، ثم تصاعد الخلاف بعد قرار أردوغان التحول إلى النظام الرئاسي ليتمكن من إعطاء نفسه فرصة جديدة ليصبح رئيساً حتى عام 2029، وهو ما رآه جول آنذاك استحواذاً على المشهد السياسي.
وفى عام 2015 انتقد عبد الله جول سياسة أردوغان علانية في حفل إفطار، حضره أردوغان نفسه، فقال جول: «البلاد تحتاج إلى مراجعة سياستها في الشرق الأوسط من خلال تبني وجهات نظر أكثر واقعية، وبصراحة أعتقد أننا نحتاج إلى مراجعة سياستنا الخارجية تجاه الشرق الأوسط، والعالم العربي من منظور أكثر واقعية، وعلى تركيا تقوية وتعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط بدءاً من مصر»، وهو ما رد عليه أردوغان في نفس الإفطار بشكل عصبي في كلمته ووصفه بطريقة غير مباشرة بـ«الخائن والجبان». وفي عام 2016 وعقب الانقلاب الفاشل على أردوغان انتقد جول فرض حالة الطوارئ وقال: «هذا مرسوم يثير القلق على مستوى فهم حكم القانون ويهدد بتطورات في المستقبل قد تثير استياءنا جميعاً»، وهو ما دعا أردوغان للعمل على إزاحته، وقال: «هؤلاء الذين لا يعجبهم سياسات تركيا، ها هم طردوا أنفسهم بأنفسهم خارج السياسة»، في إشارة لحليفه ومساعده الأسبق.
جولن.. من داعمٍ إلى عدو
يعد فتح الله جولن، المقيم في الولايات المتحدة، ألد أعداء أردوغان، والمتهم بتدبير الانقلاب الفاشل عام 2016، والذي سجن أردوغان عشرات الآلاف بزعم أنهم من أتباعه، لكن أردوغان لم يكن ليصعد إلى سدة الحكم لولا فتح الله جولن الذي لعب دوراً خفياً في مساعدة أردوغان في أيامه الأولى بمنصب رئيس الوزراء بعد خروجه من السجن، في امتلاكه قاعدة ضخمة من رجال الأعمال الذين قدموا دعماً قوياً لحزب العدالة والتنمية في بدايات صعوده إلى سدة الحكم.
ومع مرور الوقت تغير الحال بينهما، حيث هاجم جولن أردوغان عام 2011، متهماً إياه بأنه يسعى لإقامة دولة الرجل الواحد الديكتاتورية، كما هاجم تورطه في الفساد هو وعائلته، وهو الأمر الذي أدى إلى ترك جولن لتركيا بعد التضييق عليه، ومازال جولن مقيماً في بنسيلفانيا بالولايات المتحدة، حيث يكتب مقالات تهاجم شريك الماضي متهماً أردوغان بتدمير حياة مئات الآلاف من المواطنين الأتراك فصلوا من وظائفهم بعد الانقلاب الفاشل عام 2016.
أوغلو.. الشبح المخيف
أحمد داوود أوغلو.. واحد من أهم من ساندوا أردوغان وساعدوه خلال مسيرته، فعند وصول أردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم شغل أوغلو منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وقتها، ثم أسند إليه منصب سفير متجول في العام 2003، وفى عام 2009 أصبح وزيراً للخارجية التركي حتى عام 2014، ثم أصبح رئيساً لحزب العدالة والتنمية ورئيساً لوزراء تركيا.
نتيجة لصعود داوود أوغلو القوي وخوفاً من أن ينقلب على مسيرة أردوغان لتعديل الدستور ونقل القوى من منصب رئيس الوزراء إلى منصب الرئيس، أجبر أردوغان أوغلو على الاستقالة من منصبه كرئيس للوزراء قبل الفترة القانونية بـ6 أشهر.
وتزايدت الخلافات بين الرجلين في الآونة الأخيرة، وظهرت على العلن من خلال التصريحات المتتالية لأوغلو التي وجه فيها انتقادات حادة لسياسات أردوغان، مع تزايد التكهنات حول عزم أوغلو تأسيس حزب جديد لمنافسة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو ما دفع أردوغان إلى التفكير في طرد أوغلو من الحزب قبل استقالة الأخير المتوقعة.
ومن بين تصريحات أوغلو التي أثارت غضب أردوغان، تعليقه على السياسة التركية بالقول: «نحن نمر بمرحلة ضبابية في السياسات الخارجية والداخلية»، وتلميحه إلى عمليات القمع السياسي التي يقوم بها أردوغان بقوله: «تركيا في الفترة التي كانت فيها تمثل نموذجاً للحقوق والحريات، كانت قوية في سياساتها الخارجية».