مجدي عثمان (القاهرة)

لعل المعارض التي تلت وفاة الفنان الفرنسي «هنري ماتيس» شاهد أصيل على ولعه بالشرق، ففي العام 2010 أقيم معرض بعنوان «الفنان ماتيس والكتاب المصور» في «متحف المخطوطات»، للرسوم التي أعدّها «ماتيس» للأعمال الأدبية، وأبرزها تلك التي استوحاها من الشرق وهو القائل «الشرق أنقذنا»، و«جاءني الإلهام من الشرق».
وفي متحفه الذي تأسس في مدينة نيس بالجنوب الفرنسي أقيم العام 2014 معرض لأعماله بعنوان «هنري ماتيس: نيس وحلم المحظيات»، ضم مجموعة نادرة لأعماله وشهدت حضوراً قوياً لامرأة شرقية مستوحاة من حكايات «ألف ليلة وليلة»، كما استضافت الأكاديمية الملكية للفنون بلندن في العام 2017 معرضاً بعنوان «ماتيس في الأستوديو»، وأوضح العلاقة بين 65 لوحة له مستوحاة من قطع فنية اقتناها، خاصة من الشرق العربي، من مفروشات وقطع سجاد وأقمشة ملونة ابتاعها من دول المغرب العربي، أو من محال للأنتيكات في فرنسا.
تعرّف «ماتيس» عن كثب على جماليات الفنون الإسلامية بعد زيارته للمعارض التي أقيمت عنها في باريس، ومنها تلك التي نُظمت في العامين 1893 و1894، ثم «معرض الفن الإسلامي» في جناح مارسان العام 1903 في «متحف الفنون الزخرفية» القريب من متحف اللوفر.
وفي العام 1906 سافر «ماتيس» إلى الجزائر محاولاً تحقيق النتائج والمؤثرات ذاتها في معاينة الأماكن التي سبقه إليها «أوجين ديلاكروا» والعديد من فناني فرنسا الذين رافقوا الجيش الفرنسي في حملاته العسكرية على الجزائر، وعاد ماتيس من هذه الرحلة مشبعاً بالضوء الذي تملك من عينه ومشاعره معاً.
وفي العام 1910 أقيمَ معرض «الفن المحمدي» وحينها كانت الفنون الإسلامية تُسمى بذلك، ما جعله يرتحل إلى مدينة ميونيخ بألمانيا لمشاهدة ذلك المعرض الكبير، والذي ضم 3500 قطعة من روائع الفن الإسلامي. ومن أجل شغفه بالفنون الإسلامية سافر «ماتيس» إلى المغرب مرتين، فأقام فيها من يناير إلى أبريل 1912، والثانية من أكتوبر إلى أبريل 1913، وكان لهاتين الزيارتين وقع بارز ومُحرض في تطور مفهومه للون، حيث عثر «ماتيس» على راحته المبتغاة، وانصياعه للون الحي، وللشكل المسطح، وللزخرف العربي، وقد كتب عن أثر المغرب على فنّه قائلاً: «إنّ الرحلتين اللتين قمت بهما إلى المغرب أسهمتا في حصول تحوّل كان يحتاج إليه فني».