القاهرة (الاتحاد)

في بداية القرن السابع الميلادي، كانت الإمبراطورية البيزنطية الدولة الوحيدة التي تصدر العملة الذهبية، وهي المعروفة باسم «الصولدي»، والدولة الفارسية تصدر العملة الفضية، وهي الدرهم الفضي، واستخدم عرب الجزيرة في تجارتهم مع الشام وفارس واليمن قبل الإسلام بشكل رئيس، الصولدي البيزنطي والدرهم الفارسي، وكانت تأتيهم دراهم حِميرية من اليمن ولكنها قليلة.
لم يكن أمام الدولة الإسلامية الناشئة خيار سوى استخدام النقود المتداولة من بيزنطية وفارسية، خدمة لشؤونها المالية والاقتصادية، وحرصاً على مصالح الناس، ولا سيما أن الهمّ الأول للمسلمين في تلك المرحلة، كان نجاح الدعوة وتثبيت أركان الدولة، ونشر الإسلام، ولهذا فإن سك نقد جديد لم يكن مطلباً مُلحاً آنذاك.
وتعد سنة 77 من الهجرة بمثابة الحد الفاصل في هذا الشأن، حيث تم سك أول دينار ذهبي عربي إسلامي، خالص في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بدمشق، الذي تولى الخلافة، وهو دون الأربعين بعام، وتم الاستغناء عن الصور والرموز الملكية والمأثورات الدينية كافة التي يحملها الدينار البيزنطي، وصدر أول دينار عربي بوزن مثقال «4.25 جرام من الذهب» مشتملاً على المأثورات الدينية الإسلامية، وأهمها «الشهادة»، وذكر سنة السك، كما تم ضرب أول درهم فضي عربي خالص في سنة 78 هجرية، ويزن حوالي 2.8 جرام من الفضة، تضمن مأثورات التوحيد وعبارات قرآنية من «سورة الإخلاص»، بالإضافة إلى ذكر مدينة وسنة الضرب.
وأصبح ضرب وتوزيع العملة الإسلامية المستحدثة في دور سك العملة بدار الخلافة وبمختلف البلدان التابعة للخلافة لاحقاً هو السمة والنمط المعمول به في كل سنة هجرية جديدة، ومن ثم تم توزيع وتداول السكة الجديدة التي حلت محل غيرها من العملات بشكل رسمي في مختلف البلاد التابعة للخلافة الأموية.
أصبح للسكة دور خاصة بها تتبع السلطة الحاكمة، وتكون تحت إشراف القضاة بإضافة شهادة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله» على العملات، كما أزيلت في هذه المرحلة صورة هرقل من على الدنانير واستُبدلت بها صورة الخليفة التي أُحيطت بكتابات كوفية بشكل دائري، ويُصور على هذه العملات «عبد الملك بن مروان» وبيده سيفه رمز الإمامة والجهاد.
كما وضع على وجهيها طوقاً كُتب عليه «ضرب هذا الدرهم بمدينة كذا» و«محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون»، وحظي الدينار الذهبي الإسلامي الذي أصدره الخليفة الأموي، بمكانة كبيرة، واكتسب بجدارة احتراماً وقبولاً في أرجاء العالم، منذ القرن الثاني حتى السابع الهجري.
وظلت الدواوين تستخدم لغات أجنبية، فقام عبد الملك بتحويلها إلى اللغة العربية، فتكون اللغة الرسمية الوحيدة فيها جميعاً، وقام بتعريب الدواوين بهدف صبغ الإدارة المالية للدولة الإسلامية بالصبغة العربية الإسلامية، مع تمكين المسلمين من الإشراف على الإدارة المالية إشرافاً تام.