عملية الحمل بالنسبة إلى المرأة أشبه بحالة الحرب في شهر رمضان، فهي مضطرة لأن تصوم إن كانت بحالة صحية جيدة، كما تحتاج في هذا الوقت إلى المزيد من التقدير والحنان والرعاية، وهي تضع طفلها. وقد تضطر الكثيرات من الحوامل إلى صيام رمضان كاملا وهن في الشهر الأخير، أو قد يقفن في المطبخ لعدة ساعات، إن لم تكن لديهنَّ خادمات، لإعداد الكثير من أصناف الطعام، وذلك من أجل أن تكون السفرة الرمضانية عامرة بكل ما لذ وطاب من الحلويات والمقبلات والمحاشي، وهذا أمر قد يسبب للحوامل إرهاقاً زائداً عن اللزوم، وقد يؤثر على صحتهنَّ أو صحة الجنين. تروي سارة جابر تجربتها قائلة: «أعجب أن تتحول الآلام إلى متعة لذيذة، بسحر ساحر أصبحت تلك اللحظات العصيبة أسراراً غريبة مدهشة، دون أن أعلم كيف حصل ذلك، فما أن شعرت في إحدى ليالي رمضان بألم فظيع لا يحتمل، حتى علمتُ أنَّ صبري وترقبي وطول انتظاري سيزول، وأنَّني سأُرزق بمولود ذكر، أسميته رمضان، تيمناً بولادته في هذا الشهر الفضيل، وقد كانت تجربتي الأولى في رمضان، لكنها اتصفت بالمعاناة والمشقة والتعب». تبتسم سارة قبل أن تضيف:«الحامل مطلوب منها الجهد المضاعف في هذا الشهر الفضيل، من حيث إعداد الطعام والعمل، والاهتمام بالزوج مع العناية بالطفل الجديد في آن واحد». وتضيف: «صحيح أنَّني عانيت وتعبت كثيراً في رمضان، ولكن كل هذا العناء تكلل بفرحة غمرت كل أركان البيت، حيث استقبلت أسرتي طفلاً جديداً في هذا الشهر الكريم، وأتمنى أن يمن الله عليه بالصحة والعافية». نظام غذائي بدورها تعلق أم حمد على الأمر قائلة: «كان الوضع مختلفاً بالنسبة لي، فقد ولدت ابني البكر في رمضان، وتفاءلت خيراً بأن يكون من الأبناء الصالحين، لأنَّه قدم في هذا الشهر الفضيل». لكن أم حمد وجدت بعض الصعوبات في نظامها الغذائي، وتشرح تلك المعاناة بقولها: «بعد مرور عدة أيام على ولادة ابني شعرت بالتعب والإرهاق، ولم أجد متسعاً من الوقت للراحة، لذا كنا كلما خلد طفلي للنوم أنام بدوري معه، وقد أثر ذلك على الرضاعة الطبيعية لسوء تغذيتي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل كنت مطالبة في نفس الوقت بإعداد عدة أطباق منوعة، ومقبلات وطعام مختلف الأصناف لزوجي». تبتسم أم حمد وتعاود الحديث قائلة: «أعان الله كلَّ حامل في رمضان، فهي مطالبة بالتربية والعمل وإعداد الفطور، وإن لم تنجز كل ذلك يقال عنها إنها متقاعسة وكسولة، ولايعلم الآخرون، وبينهم بعض الأزواج، أنَّ الحامل تحتاج إلى قسط كبير من الراحة التامة لسلامة جنينها، وسلامة جسدها من الإرهاق والتعب والمشقة، بينما هي صائمة». وقت الأذان لأم سند حكاية مختلفة مع ولادة ابنها في رمضان، هي تشرح الأمر بقولها: «مع أذان المغرب في شهر رمضان وضعت ابني الثاني، ولذلك اضطر أقاربي وزوجي الذين كانوا ينتظرون ولادتي بفارغ الصبر، إلى عدم تناول طعام الإفطار، ولكن ذلك لم يطل كثيراً، فقد عادوا سريعاً بعد الإفطار. تبتسم أم سند قبل أن تضيف: «المعاناة لم تقف عند ذلك الحد، بل تفاقمت بعد الخروج من المستشفى من خلال القيام بواجبات ومسؤوليات المنزل، وإعداد الطعام للعائلة، ورغم وجود الخادمة، إلا أنَّ إعداد الإفطار اليومي كان من مسؤولياتي، وهذا ما أزعجني وأقلقني نفسياً، حيث كان زوجي يحُضر الطعام الجاهز، لكنَّ الجيران والأصدقاء في المقابل لم يقطعوني من الوّد والتراحم، حيث كانوا يرسلون إلينا أصنافاً وأشكالاً متنوعة من الأطباق الرمضانية الشهية». الخضوع للراحة تنصح الدكتورة منال حسن، أخصائية النساء والتوليد، كافة النساء الحوامل بالخلود إلى الراحة التامة خلال شهر رمضان، والابتعاد عن الإرهاق الشديد، وأيضاً أن تتجنب المرأة الحامل كل ما يؤثر على نفسيتها، لأنه ينتقل عبرها ليؤثر على صحة جنينها. تسترسل الدكتورة منال شارحة: «إذا خافت المرأة الحامل على نفسها من الضرر فإنَّ لها الحق بالإفطار، كذلك الأمر بالنسبة للمرأة المرضع، وبالنسبة للحامل التي لاتعاني من الأمراض، فإنَّ طعام إفطارها يجب أن يحتوي على العناصرالغذائية الضرورية، وخصوصاً على النشويات التي تزود الجسم بالسعرات الحرارية، مثل الأرز والخبز والمعكرونة، ذلك أنَّ الحامل تحتاج إلى 2250 وحدة حرارية في اليوم الواحد، ويجب أن تكون هذه السعرات من مصادر غذائية غنية بالفيتامينات والأملاح المعدنية، مثل الحديد والكالسيوم، كما ننصحها بتناول كوب كبير من عصير الفاكهة فور إفطارها، وعليها أن تتجنب المأكولات صعبة الهضم، كالأكل المحمر في الزيوت أو الدهون حتى لا تصاب بعسر في الهضم، وعليها كذلك أن تتجنب الإكثار من الأكل عند الإفطار، لأنَّ ذلك من شأنه أن يعرضها لضيق التنفس». وتضيف الدكتورة منال: «إذا صامت الحامل فإنهَ عليها أن تأخذ قسطاً وافراً من الراحة خلال النهار، وأن تتناول وجبة خفيفة ما بين الإفطار والسحور، وإذا كانت في الأشهر الأخيرة من حملها، فإنَّ صيامها يكون أخطر على الجنين من الأشهر الأولى، إلا إذا كانت حالة الحمل كلها تمر بشكل طبيعي، كذلك يجدر بالحامل أن لا تقوم بأي جهد في تأدية واجباتها المنزلية ورعاية أطفالها أثناء الصيام، حتى لا يزيد الجهد بإحساسها بالجوع والعطش». للمصابات بسكر الحمل ثمة نصائح عامة للمرأة الحامل بشكل عام، ولمريضة سكر الحمل بصورة خاصة، عليها أن تتبعها في شهر رمضان المبارك، وذلك تفادياً للوقوع في مشاكل صحية لها وللجنين، وعلى الحامل أن تأخذ تلك النصائح بجدية تامة، وأن لا تتهاون فيها مطلقاً. وبما أن عدد الوجبات يقل في شهر رمضان فعلى المرأة الحامل، غي حال سمح لها الطيب بالصيام، أن تبتعد عن الأكل الدسم، المشتمل على توابل كثيرة، مما يؤدي إلى عسر الهضم والغازات، وعليها أن تحاول تقسيم الوجبات وعدم التركيز على وجبتي الفطور والسحور فقط، بل التخفيف في هاتين الوجبتين قدر المستطاع وإضافة وجبة ثالثة خفيفة بينهما، يجب الإكثار من شرب السوائل، وذلك لتعرض الحامل لفترة جفاف طيلة النهار، مما يقلل السوائل في الدم، ومن ثم يؤدي إلى تركيز بعض المواد التي لا يستفيد منها الجسم مثل حامض اليوريك أسيد، ومن هنا تتضح أهمية أن تزيد الحامل من شرب السوائل أثناء فترة الليل، كما تستحسن ممارسة رياضة خفيفة كالمشي بعد الوجبات، خاصة أنَّ الحامل تكون عرضة للغازات وبطء الهضم بسبب هرمون البروجيسترون في الحمل. كما يتوجب على مريضة سكر الحمل الابتعاد عن الحلويات العربية الدسمة واستبدالها بالفواكه الطازجة، وتفادي المعجنات، وقد تحتاج مريضة سكر الحمل لتعديل جرعات الأنسولين حتى لو لم تكن صائمة فيجب مراجعة الطبيب إذا غيرت عاداتها الغذائية خلال رمضان، ويمكن استعمال سكر الفواكه لتحلية العصائر الطازجة. أهم ما يجدر بالحامل فعله في فترة الصيام هو التأكد من استقرار حركة الجنين وعدم اختلافها عما كانت عليه قبل رمضان، حيث إن الجنين سريع التأثر بانخفاض السكر في الدم، فهو يحتاج للسكر للطاقة، خاصة وأن غذاء المخ الرئيسي هو الكربوهيدرات، على المرأة الحامل المسارعة إلى تلقي النصائح من طبيبها لدى أول اختلاف في حركة الجنين.